روى الجورقاني في "الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير" (1 / 126) (122)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ [ بن علي الثانية الظاهر أنها مقحمة] بْنِ عِيسَى، إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: " وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ صلى الله عليه وسلم".
وإسناد هذا الخبر من الجوزقاني إلى ابن أبي شيبة هم أئمة في الرواية، حفاظ مشهورون بالصدق والتثبت.
فمحمد بن طاهر المقدسي شيخ الجورقاني، وأبو القاسم البغوي تلميذ ابن أبي شيبة هما حافظان مشهوران.
وأحمد بن محمد بن أحمد: هو ابن النقور.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الشّيخ الجليل، الصّدوق، مسند العراق، أبو الحسين أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله بن النّقّورِ البغداديّ، البزّاز.
وسمع: عليّ بن عمر الحربي ... وعيسى بن الوزير ...
وكان صحيح السّماع، متحرّيا في الرّواية ...
حدّث عنه: الخطيب، والحميديّ، وابن الخاضبة، ومحمّد بن طاهر …
قال الخطيب: كان صدوقا.
وقال ابن خيرون: ثقة " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (18 / 372 — 373).
وشيخه عيسى بن عليّ بن عيسى ابن الجراح.
قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى:
" الشّيخ الجليل، العالم، المسند، أبو القاسم عيسى بن عليّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغداديّ، والد [ ولد ] الوزير العادل أبي الحسن.
ولد: سنة اثنتين وثلاث مائة.
وسمع: البغويّ …
حدّث عنه: أبو القاسم الأزهريّ ... وأبو الحسين أحمد بن محمّد بن النّقّور، وآخرون.
قال الخطيب: كان ثبت السّماع، صحيح الكتاب " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (16 / 549 — 550).
والرواة بين ابن أبي شيبة وبين جابر وابن عباس، كلهم رواة ثقات من رجال الصحيحين، فالإسناد ظاهره الصحة.
وقد نسبه ابن كثير رحمه الله تعالى، إلى "مصنف ابن أبي شيبة"، ولم نجده فيه.
ويشكل عليه: أنّ ابن كثير لما نسبه في "البداية والنهاية" (3/375) إلى "مصنف ابن أبي شيبة"، ساقه بانقطاع في سنده، حيث قال رحمه الله تعالى:
" ورواه ابن أبي شيبة في "مصنّفه": عَنْ عَفَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: ( وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثُ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ ) " انتهى.
فلم يذكر سليم بن حيان بين عفان وسعيد، ثم حكم على هذا الإسناد بالانقطاع في مكان آخر.
فقال رحمه الله تعالى:
"وقال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ [والصواب عفان]، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: ( وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مات ): فيه انقطاع " انتهى. "البداية والنهاية" (4 / 270).
فلا ندري هل ابن كثير نقله من نسخته من المصنَّف هكذا بالانقطاع، أم وقع وهم أثناء النقل، لكن حكمه عليه بالانقطاع مما يشير إلى أنه تأمل الإسناد، وتأكد من مسألة الاتصال.
وقد نقله ابن ناصر الدين بهذا الانقطاع، كما في كتابه "جامع الآثار" (2 / 498).
ويغلب على الظن أن ابن ناصر الدين نقله عن ابن كثير.
أما المتن: فليس فيه ما هو ظاهر النكارة؛ بل أغلب ما فيه إما جاءت النصوص الصحيحة بتأييده، أو هو مشهور لدى أهل السير.
أولا:
فولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته يوم الإثنين، صح فيه الحديث.
روى الإمام مسلم (1162): عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ -.
وأما ولادته عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين الثّاني عشر من شهر ربيع الأوّل، فهو المشهور لدى أهل السير.
قال ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى:
" وقيل: لثنتي عشرة خلت منه، وهو المشهور عند الجمهور.
ولم يذكر ابن إسحاق غيره، وقاله ابن عباس وغيره، وذكره أبو محمد ابن حزم.
وحكى ابن الجزار الإجماع عليه، وفيه نظر ... " انتهى. "جامع الآثار" (2/498).
ثانيا:
وأما كون مولده عليه الصلاة والسلام يوم الفيل:
فيشكل على هذا الخبر أن ابن كثير لما نقل خبر جابر وابن عباس نقله بلفظ: ( عَامَ الْفِيلِ ).
ولفظ "يوم الفيل"، قد ورد في خبر عن ابن عباس رضي الله عنه.
جاء في "تاريخ ابن معين" رواية الدوري، قال:
" حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا حجاج، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابن عَبَّاس: ( قَالَ ولد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفِيل ).
وقد كان يحيى قال ولد النّبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ثمّ رجع فقال: ( يوم الفيل ) هذا الآخر من قَول يحيى " انتهى. "تاريخ ابن معين - رواية الدوري" (4/25).
لكن خبر يحيى بن معين: أعله عبد الله ابن الإمام أحمد بالمشهور بأنه عام الفيل، حيث ساق الخبر، ثم قال رحمه الله تعالى:
" إنما هو عام الفيل، وأخطأ فيه يحيى" انتهى. "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (2/592).
وتابع يحيى حميد بن الربيع، كما في "المستدرك على الصحيحين" للحاكم (2 / 603)، قال: عن الْحُسَيْن بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، حدثنا أَبِي، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: " وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِيلِ ".
لكن حميد بن الربيع متكلّم فيه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" حميد بن الربيع الخزاز عن هشيم والقدماء.
قال الدارقطني: تكلموا فيه " انتهى. "المغني" (1 / 194).
وابنه حسين متهم.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الحسين بن حميد بن الربيع الكوفي الخزاز.
كذبه مطين.
يروي عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وذكره ابن عدي واتهمه " انتهى. "ميزان الاعتدال" (1 / 486).
وأما ابن سعد فرأى أن اليوم: كناية عن العام. قال رحمه الله تعالى:
" قال: أخبرنا يحيى بن معين، أخبرنا حجاج بن محمّد، أخبرنا يونس بن أبى إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: وُلد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الفيل، يعنى عام الفيل " انتهى. "الطبقات الكبير" (1 / 81).
ولعله لأجل ذلك: اختار ابن حبان رواية ابن معين، فأوردها ثم قال رحمه الله تعالى:
" ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، في اليوم الذي بعث الله طيرا أبابيل على أصحاب الفيل " انتهى. "الثقات" (1 / 14 - 15).
وعلى كل حال؛ فما ورد بأنه ( يَوْمَ الْفِيلِ ) وإن لم توجد روايات صحيحة تشهد له، فليس في النصوص الصحيحة ما يبطله.
ثالثا:
وأما كون بعثته عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين، فدل عليه الحديث السابق حديث أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ -.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقال ابن عبّاس: ولد نبيّكم محمّد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ونبّئ يَوم الاثنين. وهكذا قال عبيد بن عمير وأبو جعفر الباقر وغير واحد من العلماء أنّه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه يوم الاثنين، وهذا ما لا خلاف فيه بينهم.
ثمّ قيل: كان ذلك في شهر ربيع الأوّل، كما تقدّم عن ابن عبّاس وجابر.…
والمشهور أنّه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان، كما نصّ على ذلك عبيد بن عمير ومحمّد بن إسحاق وغيرهما. قال ابن إسحاق مستدلّا على ذلك بما قال اللّه تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ) " انتهى. "البداية والنهاية" (4 / 15).
لكن قد لا يكون هناك تعارض بين ما ورد في هذا الخبر من أن البعثة كانت في الثاني عشر من ربيع الأول، وبين ما هو مشهور من أن نزول القرآن كانت بدايته في شهر رمضان، بنزول قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق (1).
وذلك بأن تحمل البعثة المذكورة في شهر ربيع، على الإرسال، والأمر بإنذار الناس، بنزول آية سورة المدثر: يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ المدثر (1 - 2).
رابعا:
وكذا كون هجرته عليه الصلاة والسلام، يوم الإثنين، هو قول معروف لدى أهل السير.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقال الحاكم: تواترت الأخبار أنّ خروجه كان يوم الاثنين، ودخوله المدينة كان يوم الاثنين.
إلّا أنّ محمّد بن موسى الخوارزميّ قال: إنّه خرج من مكّة يوم الخميس.
قلت: يجمع بينهما بأن خروجه من مكّة كان يوم الخميس، وخروجه من الغار كان ليلة الاثنين، لأنّه أقام فيه ثلاث ليال، فهيَ ليلة الجمعة وليلة السّبت وليلة الأحد، وخرج في أثناء ليلة الاثنين " انتهى. "فتح الباري" (7 / 236).
وكذا كون دخوله عليه الصلاة والسلام المدينة كان في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول.
قال ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى:
" كان نزول النبي صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف يوم الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول … ويقال لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، وذكر الواقدي أنه هو المجتمع عليه وكان ذلك حين اشتد الضحى " انتهى. "جامع الآثار" (5/270).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ) وهذا هو المعتمد، وشذّ من قال: يوم الجمعة ...
وفي رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق قدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل، وعند أبي سعيد في "شرف المصطفى" من طريق أبي بكر بن حزم: قدم لثلاث عشرة من ربيع الأوّل.
وهذا يجمع بينه وبين الّذي قَبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال … " انتهى. "فتح الباري" (7/244).
خامسا:
وأما كون المعراج يوم الإثنين، فهذا هو الجديد الذي يفيده هذا الخبر، ولم نجد ما يشهد له من النصوص الصحيحة، ولا ما يعارضه.
وقد أورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث في تعيين تاريخ الإسراء والمعراج، فقال رحمه الله تعالى:
" وقال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ [والصواب عفان]، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: ( وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مات ): فيه انقطاع، وقد اختاره الحافظ عبد الغنيّ بن سرور المقدسيّ في سيرته " انتهى. "البداية والنهاية" (4 / 270).
سادسا:
وأما وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، فهو وارد في الصحيح.
فروى الإمام البخاري (1387): عن عائشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: " دَخَلْتُ على أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فقالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قالَتْ: فِي ثَلاثَةِ أَثْوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فيها قَمِيصٌ وَلا عِمامَةٌ. وَقالَ لَها: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالَتْ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ … ".
والقول بأنه وافق الثاني عشر من ربيع الأول، هو قول مشهور عند أهل السير.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقال محمّد بن إسحاق: توفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل، في اليوم الّذي قدم فيه المدينة مهاجرا، واستكمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل. قال الواقديّ: وهو الثّبت عندنا. وجزم به محمّد بن سعد كاتبه " انتهى. "البداية والنهاية" (8 / 107).
ثم ذكر ابن كثير أقوالا، ثم قال رحمه الله تعالى:
" وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفّيَ رسول اللّه يوم الاثنين مستهلّ ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة. رواه ابن عساكر أيضا. وقد تقدّم قريبا عن عروة، وموسى بن عقبة والزّهريّ، مثله فيما نقلناه عن "مغازييهما". فاللّه أعلم. والمشهور قول ابن إسحاق والواقديّ " انتهى. "البداية والنهاية" (8 / 108).
وقد استشكل هذا القول السهيلي وغيره؛ بأنه لا يتوافق مع حساب الأشهر.
قال ابن سيد الناس رحمه الله تعالى:
" واختلف أهل العلم في اليوم الّذي توفّي فيه، بعد اتّفاقهم على أنّه يوم الاثنين في شهر ربيع الأوّل: فذكر الواقدِيّ وجمهور النّاس أنّه: الثّاني عشر.
قال أبو الرّبيع بن سالم: وهذا لا يصحّ، وقد جرى فيه على العلماء من الغلط ما علينا بيانه.
وقد تقدّمه السّهيليّ إلى بيانه، لأنّ حجّة الوداع كانت وقفتها يوم الجمعة، فلا يستقيم أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأوّل، سواء أتمّت الأشهر كلّها أو نقصت كلّها، أو تمّ بعضها " انتهى. "عيون الأثر" (2 / 449).
وقد أجاب عن هذا الإشكال ابن كثير، بجواب فيه نظر، لكن نذكره جمعا للفائدة. قال رحمه الله تعالى:
" وقد اشتهر هذا الإيراد على هذا القول، وقد حاول جماعة الجواب عنه، ولا يمكن الجواب عنه إلّا بمسلك واحد، وهو اختلاف المطالع؛ بأن يكون أهل مكّة رأوا هلال ذي الحجّة ليلة الخميس، وأمّا أهل المدينة فلم يروه إلّا ليلة الجمعة …
وإذا كان أوّل ذي الحجّة عند أهل المدينة الجمعة، وحسبت الشّهور بعده كوامل، يكون أوّل ربيع الأوّل يوم الخميس، فيكون ثانيَ عشره يوم الاثنين. واللّه أعلم " انتهى. "البداية والنهاية" (8 / 109 — 110).
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (147601).
الخلاصة:
رواية الجورقاني لخبر جابر وابن عباس، ظاهر إسنادها الصحة، فرجال الجورقاني إلى ابن أبي شيبة هم من الحفاظ المشهورين بالصدق والتثبت، وإسناد ابن أبي شيبة رواته ثقات مشهورون من رجال البخاري ومسلم.
ومتنه ليس فيه ما يقطع بنكارته، فبعضه له شاهد من الأحاديث الصحيحة، وبعضه مشهور عند أهل السير، وليس فيه ما يقطع بمعارضته لخبر صحيح.
لكن يشكل عليه أن ابن كثير نسبه إلى "مصنف" ابن أبي شيبة، ونقله منقطعا وحكم عليه الإنقطاع، والمطبوع من "المصنف" خال من هذا الخبر، ثم يشكل عليه أيضا عدم شهرة هذا الخبر - مع كون رواته ثقات - وخلو الصحاح والسنن والمسانيد وكتب السير منه.
وعلى كل حال؛ فمع خلوه مما يقطع بنكارته، فهو مما يستأنس به في أخبار السير، وأخبارها لا يتشدد فيها كما يتشدد مع أحاديث الأحكام.
والله أعلم.