أولا:
الأوقاف المحكرة هي أراضٍ وأعيان موقوفة، يتم تأجيرها للبناء عليها أو زراعتها أو غرسها مقابل أجرة معلومة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (18/ 53) أن الحِكر " في اصطلاح الفقهاء يطلق على ثلاثة معان:
الأول: الأجرة المقررة على عقار محبوس في الإجارة الطويلة ونحوها.
الثاني: أن يطلق على العقار المحتكر نفسه، فيقال: هذا حِكْر فلان.
الثالث: أن يطلق على الإجارة الطويلة، والغالب أن يسمى هذا النوع: الاحتكار، والاستحكار، بمعنى الاستئجار إجارة طويلة، ويسمى (التحكير) أو (الإحكار)، بمعنى الإيجار أو التأجير.
قال ابن عابدين: الاحتكار: إجارة يقصد بها منع الغير، واستبقاء الانتفاع بالأرض. وفي الفتاوى الخيرية: الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض للبناء، أو الغرس، أو لأحدهما. ويكون في الدار والحانوت أيضا" انتهى مختصرا.
وأكثر الفقهاء يستعملون الحكر في الأوقاف، وإن كان يجوز في الأملاك الخاصة أيضا.
ثانيا:
اختلف الفقهاء في الإجارة الطويلة في الوقف، فذهب الحنفية والمالكية إلى عدم جوازها فيما زاد على ثلاث سنوات عند الحنفية، وأربع عند المالكية في الجملة، وذهب الشافعية والحنابلة إلى جوازها.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (18/ 55- 57) تفصيل المذاهب كما يلي:
1-"ذهب الحنفية إلى أنه إن كان الواقف شرط أن يؤجر أكثر من سنة، يجوز شرطه لا محالة، وإن كان شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة يجب مراعاة شرطه لا محالة.
وإن كان لم يشترط شيئا فالمنقول عن مشايخ الحنفية أنه لا تجوز أكثر من سنة واحدة، وقال الفقيه أبو جعفر: أنا أجوِّز في ثلاث سنين، ولا أجوز فيما زاد على ذلك، والصدر الشهيد حسام الدين كان يقول: في الضياع (أي الأراضي الزراعية): نفتي بالجواز في ثلاث سنين، إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز. وفي غير الضياع نفتي بعدم الجواز فيما زاد عن سنة واحدة، إلا إذا كانت المصلحة في الجواز، وهذا أمر يختلف باختلاف الزمان والموضع.
وإنما جرت الفتيا عند الحنفية بذلك: صيانة للأوقاف عن دعوى الملكية بطول المدة، قالوا: لأن المدة إذا طالت تؤدي إلى إبطال الوقف، فإن من رآه يتصرف فيها تصرف الملاك، على طول الزمان، متواليا، ولا مالك يعارض ويزاحم - ومال الوقف مال ضائع، لعدم المطالب المهتم - يظنه الرائي بتصرفه الدائم مالكا، ويشهد له بالملك إذا ادعاه.
2-وعند المالكية كذلك؛ لا يجوز كراء الوقف المدة الطويلة، قال الحطاب: الحبس إن كان على معينين كبني فلان، فللناظر أن يُكريه سنتين أو ثلاث سنين، ولا يكريه أكثر من ذلك، فإن وقع الكراء في السنين الكثيرة، فعُثر على ذلك وقد مضى بعضُها: فإن كان الذي بقي يسيرا، كالشهر والشهرين: لم يفسخ. وإن كان أكثر من ذلك: فُسخ.
قال الحطاب: أما الحبس على المساجد والمساكين وشبهها، فلا يكريها الناظر لأكثر من أربعة أعوام إن كانت أرضا، ولا أكثر من عام إن كانت دارا، وهو عمل الناس، ومضى عليه عمل القُضاة، فإن أكرى أكثر من ذلك مضى، إن كان نظرا (أي مصلحة) ، ولا يفسخ.
وعللوا لمنع الإجارة الطويلة في الوقف، بمثل ما علل به الحنفية، قالوا: لخوف اندراسه إذا طال مكثه بيد مكتريه.
3- وعند الشافعية يجوز أن تؤجر العين إلى مدة تبقى إليها غالبا - ما لم يخالف شرط الواقف - فتؤجر الأرض مائة سنة أو أكثر - قال القليوبي: سواء الملك والوقف - وتؤجر الدار ثلاثين سنة، والثوب سنة أو سنتين. وفي قول: لا يزاد على سنة.
وقال ابن حجر الهيتمي: إنما يجري ذلك - أي الإجارة الطويلة - في الوقف إن وقع على وفق الحاجة والمصلحة لعين الوقف.
واصطلاح الحكام على أنه لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين، لئلا يندرس: استحسانٌ منهم.
قال: وإنما اشترطنا ذلك لفساد الزمان، بغلبة الاستيلاء على الوقف عند طول المدة، ولأن شرط إجارة الوقف أن يكون بأجرة المثل، وتقويم المدة المستقبلة البعيدة صعب - أي لتغير الأسعار وطروء الرغبات غالبا.
قال: وأيضا ففيها منع الانتقال إلى البطن الثاني، وضياع الأجرة عليهم إذا كانت معجلة.
وأطال في بيان ذلك في فتاواه الكبرى الفقهية، وبين أن قضاة الشافعية مالوا في ذلك إلى مذهب أبي حنيفة لأنه أحوط. ونقله عن السبكي وغيره. وبين أيضا أن مجرد زيادة الأجرة على أجرة المثل لا يسوغ الإجارة الطويلة في الوقف.
4- ومذهب الحنابلة، أن الإجارة الطويلة جائزة، على الأصل في الإجارة إذا كانت في المدة التي تبقى إليها العين غالبا وإن كثرت.
واستدل ابن قدامة لهذا الأصل بقول الله تعالى: قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، قال: وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل.
قال ابن قدامة: لأن ما جاز لسنة، جاز لأكثر منها، والتقدير بسنة أو ثلاث تحكم لا دليل عليه.
وقد صرح ابن تيمية في فتاويه بأن ذلك يجري في الوقف، قال: إن كان الوقف على جهة عامة، جازت إجارته بحسب المصلحة، ولا يتوقتُ ذلك بعدد.
وكذلك قال صاحب مطالب أولي النهى، ونسبه إلى الرعاية والمغني، وأنهم قالوا: بل الوقف أولى؛ أي بجواز الإجارة الطويلة.
وابن القيم من الحنابلة بين مفاسد الإجارة الطويلة في الوقف، كما بينها أصحاب المذاهب الأخرى، لكن لم يصرح ببطلانها حيث لم يشترط الواقفُ امتناعَها". انتهى النقل من الموسوعة الفقهية مختصرا.
وما ذكره الحنفية والمالكية من جهة النظر معتبر؛ لأن الفقهاء متفقون على أن الوقف لا يؤجر إلا بأجرة المثل، وصرح بعضهم بأن الناظر يضمن إذا أجر بأقل من أجرة المثل، وأجرة المثل لا تتحقق مع تأجير الوقف مدة طويلة؛ لتغير الأسعار وزيادتها غالبا.
ومن أراد التفصيل في هذا الباب فليرجع إلى الموسوعة الفقهية في الموضع المشار إليه.
وينظر: "البحر الرائق" (7/ 299)، "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين" (6/ 6)، "حاشية الدسوقس" (4/ 96)، "مواهب الجليل" (6/ 47)، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (3/ 144)، "حاشية قليوبي" (3/ 81)، "كشاف القناع" (4/ 5)، "المغني" (5/ 324).
والحاصل:
أن تأجير الأوقاف المدة الطويلة محل خلاف بين الفقهاء، مع اتفاقهم على أن الوقف يؤجر بأجرة المثل، فعلى ناظر الوقف مراعاة ذلك، فلو أجرة مدة طويلة، جعل الأجرة متغيرة، كأن يجعل أجرة السنوات الثلاث الأولى بكذا، وما بعد ذلك بكذا، إلخ. أو أن يحدد أجرة السنوات الثلاث، ويجعل ما بعدها مربوطا بمؤشر منضبط معلوم للطرفين، وقد ذهب إلى جواز ذلك: مجمع الفقه الإسلامي، وهيئة المحاسبة والمراجعة للبنوك الإسلامية، والهيئة الشرعية لدلة البركة، وبيت التمويل الكويتي.
وينظر: جواب السؤال رقم: (335586).
والله أعلم