أولا:
المعاق ذهنيا يحجر عليه في ماله، ولا يصرف منه إلا فيما هو مصلحة له، كالنفقة عليه وعلى من تلزمه نفقته إن وُجد.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال أحمد: والشيخ الكبير يُنْكَرُ عقله: يُحْجَرُ عليه، يعني: إذا كبر واختلّ عقله، حُجِرَ عليه، بمنزلة المجنون؛ لأنّه يعجز بذلك عن التصرف في ماله على وجه المصلحة، وحفظه، فأشبه الصبي والسفيه " انتهى من "المغني" (6/ 610).
والحجر يكون من القاضي، وهو من يعين واليا على المحجور عليه.
وإذا لم توجد محكمة شرعية، فإن الأبناء يختارون من يقوم على المال، ويحفظه؛ فإن الولاية إنما تكون لأولى الناس بالمحجور عليه، وأحسنهم نظرا في مصلحته.
ونقل الروياني عن الشافعي أن القاضي إذا حجر على البالغ السفيه " استحب أن يردّ أمره إلى الأب والجد ، فإن لم يكن فسائر العصبات ؛ لأنهم أشفق " انتهى من "مغني المحتاج" (2/ 222).
وينظر: جواب السؤال رقم: (202990).
ثانيا:
للأب أن يأخذ من مال والده إذا كان محتاجا، بشرط ألا يضر بالولد، وألا يأخذ منه ليعطي أخاه.
والأصل في ذلك: ما روى أحمد (6678) وأبوداود (3530) وابن ماجه (2292) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن والدي يجتاح مالي قال: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا) وله طرق وشواهد يصح بها، وينظر: " فتح الباري " (5/ 211)، و "نصب الراية" (3/ 337).
وقيده جمهور الفقهاء بالحاجة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ اللهِ لَكُمْ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتُجْتُمْ إِلَيْهَا) رواه الحاكم (2/ 284) والبيهقي (7/ 480)، والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564).
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45/ 202): " ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد لا يأخذ من مال ولده شيئا إلا إذا احتاج إليه ...
وذهب الحنابلة إلى أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا، بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه ولده الآخر" انتهى.
وعليه؛ فإذا كان معاش والدك لا يكفيه لنفقته ونفقة من تلزمه نفقته، فله أن يأخذ من مال أختك ما يسد به حاجته، بشرط ألا يُضِرَّ بها ولا يأخذ ما تحتاج له.
ثالثا:
إذا كان لكُنَّ رواتب كافية، فلا يلزم الأب أن ينفق عليكن.
وإذا كان الأب يأخذ من مال أختك لأن معاشه لا يكفي لنفقته والنفقة عليكن، فالمخرج هنا أمران:
1-أن تنفقن على أنفسكن، أو تشاركنه النفقة في الطعام والشراب وأجرة المسكن وغيرها، حتى يستغني عن معاش أختكن.
2-إذا أصر الأب على الأخذ والإنفاق عليكن من هذا المال، فإنكن تعوضن أختكن من رواتبكن، فتنظرن كم يصيبكن من مالها، فتجمعنه من رواتبكن، وتحفظنه لها.
وإذا أخرجتن ما يساوي معاشها كله، وعوضتن ما يأخذه والدكن، فهذا حسن إن كان يأخذ ما لا يحتاجه؛ لرفع الإثم عنه أو تخفيفه.
ولا يشترط إعلام الأب بهذا التعويض، بل لا ينبغي إعلامه؛ لاحتمال أن يأخذه لنفسه.
وينبغي نصح الأب والأخوات، وتحذيرهن من أكل ما لا يحل؛ فإنه (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
والمعاق لا أهلية له حتى يُعلم رضاه من سخطه، ولهذا وجب الحذر من أكل ماله، مطلقا.
وقد روى الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
نسأل الله أن يغنينا وإياكم بالحلال الطيب.
والله أعلم.