أولاً: صفة القرب من صفات الله تعالى.
قال ابن تيمية رحمه الله في الواسطية:
"فصل: وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) ، وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليّ في دنوه قريب في علوه" انتهى.
في "شرح العقيدة الواسطية" لخالد المصلح المفرغ (16/ 2، بترقيم الشاملة آليا).
"هذا الفصل فيه إخبار عن صفة عظيمة من صفات الله، وهي: قربه جل وعلا، وأتى بصفة القرب بعد ذكر المعية؛ لأن كثيراً من المتأخرين، وبعض المتقدمين: يفسرون القرب بالمعية، فـ مقاتل بن حيان من السلف، وكثير من الخلف: يفسرون ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من القرب بأنه المعية، فيقولون: قرب العلم والقدرة، وهو قول لبعض السلف.
والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة: أن القرب وصف زائد على المعية، فهو ليس المعية التي أخبر بها سبحانه وتعالى عن نفسه، التي هي المعية العامة؛ لأن المعية العامة تثبت، ولا يلزم منها قرب الشيء من الآخر، فتقول: القمر معنا وليس بقريب منك" انتهى.
والقرب الذي وصف الله به نفسه خاص لا عام.
قال ابن تيمية رحمه الله: " وليس في القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شيء أصلاً، بل قربه الذي في القرآن خاص لا عام" انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/ 493).
وفي "تفسير السعدي" (ص: 385):
"وفي قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وهذا النوع، قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن، باسمه "القريب" اسمه "المجيب"" انتهى.
ثانياً:
بناء على ما تقدّم يجوز للإنسان أن يقول : اللهم كن لي قريبا..
والمعنى أن تكون قريبا مني، فتلطف بي، وتجيب دعواتي، وتحقق مراداتي، وتحميني وتنصرني.
وطلب العبد من رب العالمين أن يكون قريبا منه، هو نحو من طلبه جواره، واللياذ إليه سبحانه.
وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (31136)، والبخاري في "الأدب المفرد"، وصححه الألباني، عن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا أَتَيْتَ سُلْطَانًا مَهِيبًا تَخَافُ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْكَ، فَقُلْ:
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا، اللَّهُ أَعَزُّ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَرُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ أَنْ يَقَعْنَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، مِنْ شَرِّ عَبْدِكَ فُلَانٍ وَجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. اللَّهُمَّ كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّهِمْ، جَلَّ ثَنَاؤُكَ وَعَزَّ جَارُكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
والله أعلم