174

هل جبريل عليه السلام هو الملك الوحيد المرسل بالوحي إلى جميع الرسل؟

السؤال: 589516

هل الله سبحانه وتعالى كان يرسل بعض الملائكة إلى الرسل والأنبياء، أو كان يرسل فقط جبريل عليه السلام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولًا:

المتواتر من نصوص الوحي أن الملك الذي نزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، هو جبريل عليه السلام.

ومن ذلك قول الله تعالى:

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ البقرة (97).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" فقوله تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ أي: من عادى جبريل، فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك، فهو رسول من رسل الله، ملكيٌّ، عليه وعلى سائر إخوانه من الملائكة السلام. ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1/510).

وكما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا... حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا.

فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ: إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي" رواه البخاري (3624)، ومسلم (2450).

ثانيًا:

قد ينزل بعض الملائكة على وجه التبَع لجبريل عليه السلام في أمور محددة.

كمثل ما ورد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ رواه مسلم (806).

وقد ورد أيضا في حديث عُرْوَة، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟

قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا رواه البخاري (3231) ومسلم (1795).

وإن كان يقال هنا: إن هذا الملك الكريم لم ينزل بوحي من الله تعالى، مما هو من أمر الدين، وما يوحى إليه به؛ وإنما هو الملك الموكل بالجبال، وقد أرسل بأمر يخص ما هو من شأنه، وما كلفه الله به.

وأما سائر الرسل عليهم السلام فلا نستطيع القطع، فهل كلهم أرسل إليهم جبريل عليه السلام، أم أرسل إليهم غيره؟

ففي نصوص الوحي ما يشير إلى تعدد الرسل من الملائكة، كما في البشر.

ومن ذلك قوله تعالى:

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ  الحج (75).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى أنه يختار من الملائكة رسلا فيما يشاء من شرعه وقدره، ومن الناس لإبلاغ رسالاته " انتهى. "تفسير ابن كثير" (5 / 442).

وكقوله تعالى:

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ النحل (2).

قال بعض أهل العلم أن المقصود بالملائكة هنا جبريل وحده.

قال الواحدي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ ، روى عطاء عن ابن عباس قال: يريد ‌جبريل ‌وحده.

وذكرنا فيما تقدم جواز تسمية الواحد باسم الجمع؛ إذا كان ذلك الواحد رئيسا مقدما " انتهى. "التفسير البسيط" (13 / 9).

لكن لم نقف على قول ابن عباس هذا مسندا.

وقد نسب بعضهم هذا القول إلى الجمهور.

قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله تعالى:

" والملائكة هنا جبريل وحده، قاله الجمهور ..." انتهى. "البحر المحيط" (6 / 503).

نعم، تتابع أهل العلم على القول بأن الملك المرسل إلى موسى عليه السلام هو جبريل أيضا، كما في شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع ورقة بن نوفل في قصة بداية الوحي:

روى البخاري (3392)، ومسلم (160): عَنِ عُرْوَةَ، قالَ: قالَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها: " فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكانَ رَجُلًا تَنَصَّرَ، يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقالَ وَرَقَةُ: ماذا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقالَ وَرَقَةُ: هَذا ‌النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ".

‌النَّامُوسُ: صاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِما يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ.

قال الخليل بن أحمد:

"ولمّا نزل جِبريلُ على النَّبيّ عليهما السلام، قيل: جاء النّاموسُ الأكبر الذّي كان يأتي مُوسى عليه السلام.

ويُقال: هو وعاءٌ لا يُوَعى فيه إلاّ العلم.

وناموسُ الرّجُلِ: صاحبُ سِرِّهِ، وقد ‌نَمَسَ ‌يَنْمِسُ نَمْساً. ونامَسته مُنامَسةً، أي: سارَرْت". انتهى، من "العين" (7/ 276).

قال أبو عبيد الهروي رحمه الله تعالى:

" ‌الناموس: صاحب سر الملك.

يقال: ‌نَمَسَ ‌يَنْمِسُ نَمْساً. ونامَستُه مُنامَسةً: إذا ساررتَه.

وسمي جبريل عليه السلام ناموسا؛ لأن الله خصه بالوحي والغيب اللذين لا يطلع عليهما غيره " انتهى. "الغريبين" (6/1887).

وقال النووي رحمه الله تعالى:

" واتفقوا على أن جبريل عليه السلام يسمى ‌الناموس، واتفقوا على أنه المراد هنا " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (2/203).

وفي الحديث الذي رواه الترمذي (3108): عن عَدِيّ بْن ثَابِتٍ، وَعَطَاء بْن السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ ذَكَرَ:  أَنَّ جِبْرِيلَ جَعَلَ يَدُسُّ فِي فِي فِرْعَوْنَ الطِّينَ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَرْحَمَهُ اللهُ، أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يَرْحَمَهُ اللهُ.

قال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ".

الخلاصة:

عمومات القرآن تشير إلى تعدد الرسل من الملائكة.

والثابت بالتواتر المقطوع به؛ أن الملك الذي كان يأتي بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل عليه السلام.

وأما سائر الأنبياء، فالظاهر كذلك: أن جبريل هو الذي كان يوحي إليهم بوحي الله، ولهذا عادته اليهود، كما ذكر القرآن عنهم.

لكن هل كان غيره ينزل ببعض الوحي أحيانا؟

هذا مما لا نتكلف القول فيه، وهو في محل الاحتمال؛ وليس لنا أن تكلف القطع في شيء محتمل لا ينبني عليه عمل، بل نكل علمه إلى الله تعالى.

قال الله تعالى: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) سورة ص (86).

عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ ... ) رواه البخاري (4809)، ومسلم (2798).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android