أولاً:
قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم.
فذهب الشافعية إلى أن قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية ركن في الصلاة، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وقد نصوا على أن من أدرك قراءتها مع الإمام، ونسي أن يقرأها حتى ركع الإمام، فلها حالتان:
إذا ذكر بعد أن ركع مع الإمام فإنه يتابع الإمام، ثم يقوم بعد سلام الإمام، ويأتي بركعة بدلا عن التي نسي فيها الفاتحة.
وإن ذكر بعد أن ركع الإمام، وقبل أن يركع هو، فإنه يقرأها ثم يتابع الإمام، ويكون ذلك من مخالفة الإمام لعذر.
فإن لم يتذكر إلا بعد أن ركع هو، لم يجز له أن يترك ركوعه، ليعود إلى قراءة الفاتحة قائما. وليس له ـ كذلك ـ أن يقرأها راكعا، للنهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. ولو قرأ لم يعتد بها، لأن محل قراءتها القيام، قبل الركوع.
قال النووي رحمه الله:
«فلو ركع مع الإمام، ثم تذكر أنه نسي الفاتحة، أو شك في قراءتها: لم يجز أن يعود لقراءتها لفوات محلها، ووجوب متابعة الإمام.
فإذا سلم الإمام، لزمه أن يأتي بركعة.
ولو تذكر ترك الفاتحة، أو شك فيه، وقد ركع الإمام، ولم يكن هو ركع: لم تسقط القراءة بالنسيان.
وفي واجبه وجهان:
أحدهما: يركع معه، فإذا سلم الإمام لزمه أن يأتي بركعة،
وأصحهما: تجب قراءتها. وبه أفتى القفال. وعلى هذا: تخلُّفُه تخلفُ معذورٍ، على أصح الوجهين" انتهى من المجموع شرح المهذب (4/ 237).
وقال:
"فلو ركع مع الإمام، ثم تذكر أنه نسي الفاتحة، أو شك في قراءتها: لم يجز أن يعود، لأنه فات محل القراءة، فإذا سلم الإمام، قام وتدارك ما فاته.
ولو تذكر، أو شك، بعد أن ركع الإمام، ولم يركع هو، لم تسقط القراءة بالنسيان.
وماذا يفعل؟ وجهان:
أحدهما: يركع معه، فإذا سلم الإمام قام فقضى ركعة.
وأصحهما: يتمها. وبه أفتى القفال. وعلى هذا تخلفه تخلف معذور على الأصح.
وعلى الثاني [=وعلى الوجه الثاني في صفة تخلفه]: تخلف غير معذور لتقصيره بالنسيان» انتهى من "روضة الطالبين" (1/ 372).
أما المسبوق الذي لم يدرِك إلا ما يتسع لبعضها قبل أن يركع إمامه، فالواجب في حقه ذلك القدر الذي أدركه ثم يتابع إمامه.
قال الرافعي رحمه الله:
«فأما المسبوق، إذا أدرك الامام في القيام، وخاف ركوعه: فينبغي أن لا يقرأ دعاء الاستفتاح، بل يبادر إلي قراءة الفاتحة، فإن الاهتمام بشأن الفرض أولي.
ثم إن ركع الإمام في أثناء الفاتحة، ففيه ثلاثة أوجه:
(أحدها): أنه يسقط عنه ما بقي من الفاتحة، ويركع معه.
(والثاني): أنه يتم الفاتحة، لأنه أدرك القيام الذي هو محلها.
(والثالث): وبه قال أبو زيد، وهو الاصح عند القفال والمعتبرين: أنه إن لم يقرأ شيئا من دعاء الاستفتاح: يقطع القراءة، ويركع معه، ويكون مدركا للركعة؛ لأنه لم يُدرك إلا ما يقرأ فيه بعض الفاتحة، فلا يلزمه فوق ذلك، كما أنه إذا لم يدرك شيئًا من القيام، لا يلزمه شيء من الفاتحة" انتهى من الشرح الكبير للرافعي (4/ 392).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أما من جهة الدليل النظري فنقول: إن هذا الرجل المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة ، فلما لم يدرك المحل، سقط ما يجب فيه ، بدليل أن الأقطع الذي تقطع يده، لا يجب عليه أن يغسل العضد بدل الذراع ، بل يسقط عنه الفرض لفوات محله ، كذلك تسقط قراءة الفاتحة على من أدرك الإمام راكعاً؛ لأنه لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة ، وإنما سقط عنه القيام هنا من أجل متابعة الإمام . فهذا القول عندي هو الصحيح " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/121).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (519554)، ورقم: (194197).
ثانياً:
ذهب بعض أهل العلم إلى أنه قراءتها للمأموم واجبة في السرية والجهرية، لكنها تسقط عن المأموم حال النسيان في السرية والجهرية.
وسئل الشيخ ابن بارز رحمه الله:
إذا نسي المأموم قراءة الفاتحة ما حكم صلاته؟
فأجاب:
ذكر النووي رحمه الله: أن في أصل المسألة للعلماء قولين:
أحدهما: أن حكم من نسي الفاتحة، حكم من نسي غيرها من الأركان إن ذكر في الركوع أو ما بعده قبل أن يقوم إلى الثانية لزمه أن يرجع فيأتي بالفاتحة وما بعدها............
والقول الثاني: أن من ترك قراءة الفاتحة ناسيًا حتى ركع أو سلم: سقطت عنه القراءة، وتمت صلاته، حكاه النووي عن جماعة من الشافعية.
وهذا القول أرجح عندي في حق المأموم خاصة، والقول الأول أرجح في حق الإمام والمنفرد.
ووجه ذلك أن المأموم مأمور بمتابعة إمامه، والاقتداء به في الركوع وغيره من أفعال الصلاة، فإذا ركع إمامه لزمه أن يتابعه في الركوع، وإن كان قد نسي قراءة الفاتحة لم يجز له أن يقف ليقرأها وإمامه راكع؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا ركع فاركعوا)، والفاء للترتيب باتصال، وظاهر الحديث يعم من ترك الفاتحة ناسيًا وغيره، وإنما أوجبنا على المأموم قراءة الفاتحة؛ لعموم النصوص الدالة على وجوبها، فإذا نسيها حتى ركع إمامه، سقطت عنه، لعذر النسيان ووجوب المتابعة" انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لابن باز (29/ 279-280).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
كيف نجمع بين حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وحديث : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ) ، وهل يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة ؟
فأجابت :
" لا تعارض بين وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبين إدراك الركعة بإدراك الركوع ؛ لأنها في هذه الحالة تسقط عن المسبوق لفوات محلها وهو القيام ، وهي ركن في كل ركعة من الصلاة في حق الإمام والمنفرد ، وواجبة في حق المأموم ، تسقط عنه إذا نسي أو جهل أو لم يدرك قراءتها مع الإمام ؛ لما روى البخاري في (صحيحه) عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه أتى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف ، ثم دخل في الصف ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام : ( زادك الله حرصا ولا تعد ) ولم يأمره بقضاء الركعة ، فدل على سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم في مثل هذه الحال " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة/2" (5/ 323).
ثالثاً:
يرى جمهور أهل العلم -الحنفية والمالكية والحنابلة- عدم مشروعية قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية، فعلى مذهب الجمهور لا يؤثر تركها على صحة صلاتك، ولو كان الترك عمداً؛ بل لا يرون مشروعية قراءتها في هذه الحال.
قال الزيلعي رحمه الله:
"ولا يقرأ المؤتم؛ بل يستمع وينصت...، لقوله تعالى «وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا. قال أبو هريرة "كانوا يقرءون خلف الإمام فنزلت" وقال أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة وفي حديث أبي هريرة وأبي موسى "وإذا قرأ فأنصتوا" . قال مسلم: هذا الحديث صحيح. وعن عبادة بن الصامت أنه - عليه الصلاة والسلام - قال "لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقرآن" . قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات.
قال أحمد: ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة، لا تجزي صلاة من لم يقرأ.
وفي مسلم [= برقم (577)] عن عطاء بن يسار: أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة، يعني خلف الإمام؟ فقال: "لا قراءة مع الإمام في شيء". وعن جابر بمعناه. وهو قول علي وابن مسعود وكثير من الصحابة. ذكره الماوردي.
ولأن المأموم مخاطب بالاستماع إجماعا، فلا يجب عليه ما ينافيه، إذ لا قدرة له على الجمع بينهما" انتهى من "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي" (1/ 131).
وقال الملا علي القاري، رحمه الله: "ويَنْصِتُ المُؤْتَمُّ ولا يقرأ سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، لقوله تعالى: وإِذَا قُرِاء القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنْصِتُوا. روى البَيْهَقِي عن أحمد بن حنبل أنه قال: "أجمع الناس على أَنْ هذه الآية في الصلاة" . ورَوَى البَيْهَقِيّ عن مجاهد قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الصلاة، فسَمِعَ قراءة فتى من الأنصار، فنزل [يعني: فنزلت هذه الآية]" . وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي هريرة: "نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم" . وكذا روى ابن أبي شَيْبَة في المُصَنَّف، ومحمد بن الحسن في "الموطأ" ، والطَّحاوي في "معاني الآثار".
وروى أبو دَاوُدَ في سننه من حديث أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤْتَمَّ به. وفيه: وإذا قرأ فأنصِتوا ، وكذا رواه النَّسائِي.
وروى مُسْلِم في غير صحيحه من حديث أبي موسى الأَشْعَرِيّ: إذا كَبَّر الإمام فَكَبِّرُوا، وإذا قرأ فأنْصِتُوا" انتهى من "فتح باب العناية بشرح النقاية" (1/ 274).
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
«وأما المأموم: فالإمام يحمل عنه القراءة؛ لإجماعهم على أنه إذا أدركه راكعا، أنه يكبر ويركع، ولا يقرأ شيئا.
ولا ينبغي لأحد أن يدع القراءة خلف إمامه في صلاة السر، الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء. فإن فعل فقد أساء، ولا شيء عليه عند مالك وأصحابه.
وأما إذا جهر الإمام، فلا قراءة بفاتحة الكتاب ولا بغيرها» انتهى من "الكافي في فقه أهل المدينة" (1/ 201).
وقال خليل:
"وَلا تَجِبُ عَلَى الْمَامُومِ -قراءة الفاتحة-وَتُسْتَحَبُّ فِي السِّرِّيَّةِ لا الْجَهْرِيَّةِ" انتهى من "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" (1/ 337):
وقال الخرقي رحمه الله:
"والاستحباب: أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه.
فإن لم يفعل: فصلاته تامة؛ لأن من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" انتهى من "مختصر الخرقي" (ص24).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"الاستحباب، أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه، هذا قول كثير من أهل العلم" انتهى من "المغني" (2/ 265).
فعلى قول الجمهور: لا إشكال في صلاتك لما تركته من بعض الفاتحة خلف الإمام في صلاة، الفجر، لأنها من الصلاة الجهرية التي لا يشرع عندهم فيها قراءة المأموم للفاتحة.
وخلاصة القول:
أنك إذا كنت على مذهب من يرى القول بركنيتها، كما هو مذهب الشافعية: فيلزمك أن تأتي بركعة، بدلا عن التي لم تقرأ فيها.
واختار الشيخ ابن باز، وجمع من أهل العلم: أنها واجب، يسقط بالنسيان.
وعلى مذهب الجمهور: فصلاتك صحيحة، على كل حال، ولا يلزمك شيء.
والله أعلم.