202

هل صلاة الملائكة على الجالس في مصلاه خاصة بمن صلّى في المسجد؟

السؤال: 586963

حديث: (صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ).
هل استغفار الملائكة يكون لمن صلى في المسجد وفي جماعة فقط؟ فإن صلت المرأة في بيتها وجلست في مصلاها لا تكون ممن تدعو لهم الملائكة؟ وهل إذا اضطجعتُ في المصلى أو غفوت ينقطع دعاء الملائكة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

هذا الحديث رواه البخاري (477)، ومسلم (649): عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النِبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: صَلاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ على صَلاتِهِ في بَيْتِهِ وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بها دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذا دَخَلَ المَسْجِدَ، كان فِي صَلاةٍ ما كانَتْ ‌تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي عَلَيْهِ- المَلائِكَةُ، ما دامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ.

ثانيا:

الأصل أن هذا الأجر لمن يصلي في المسجد جماعة، ويجلس فيه، فسياق الحديث عن صلاة الجماعة في المسجد.

وهذا الذي ألمح إليه الإمام البخاري، فبوّب على الشطر الأخير من الحديث بقوله: "بابُ مَنْ جَلَسَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَفَضْلِ المَساجِدِ ".

ثم ساق الحديث (659): عن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:  الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ ما دامَ فِي مُصَلَّاهُ ما لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. لا يَزالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ ما دامَتِ الصَّلاةُ ‌تَحْبِسُهُ لا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلاةُ.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" ومصلّاه: موضع صلاته، وذلك عندي في المسجد، لأنّ هناك يحصل منتظرا للصّلاة في الجماعة، وهذا هو الأغلب في معنى انتظار الصّلاة " انتهى "الاستذكار" (6 / 210).

وأما من يصلي في بيته الفرض ثم يجلس فيه:

فإن كان ممن هو مأمور بالجماعة من الرجال، ويصلي في بيته تهاونا وتكاسلا: فالذي يظهر ، والله أعلم، أنه ليس من أهل هذه الفضيلة، ولا الفائزين بتلك الرغيبة. بل يخشى عليه الإثم في تضييعه لصلاة الجماعة.

وقد سبق في الموقع ترجيح وجوبها على الرجال الذين ليس لهم عذر للتخلف عنها، وهذا في جواب السؤال رقم: (40113).

وأما إن كان ممن يصلي في بيته لعذر، أو لأنه غير مأمور بالجماعة، كالنساء= فهذا إذا صلى الصلاة في وقتها، ثم حبس نفسه بعد الصلاة، وبقي في مصلاه مرابطا إلى أن تحين الصلاة الأخرى: فيرجى له هذا الأجر والفضل؛ لأنه يمكن القول: إن هذا الحديث خرج مخرج الخطاب للرجال الذين هم مخاطبون بصلاة الفرائض في المساجد، فمن لم يكن مخاطبا بالجماعة، فيدركه هذا الفضل حيث أدى الصلاة، وانتظر الأخرى لأنه أتى بما أمر به، ولم يتعمد التقصير والتكاسل، واتقى الله بقدر استطاعته، وفضل الله واسع.

قال الباجي رحمه الله تعالى:

" قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَزالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ ما دامَتِ الصَّلاةُ ‌تَحْبِسُهُ )؛ يريد أن حكمَه حكمُ من هو في صلاة، في كثرة ثوابه، إذا نوى بمقامه في موضعه انتظار الصلاة، لا يكون لمقامه وامتناعه من الانقلاب إلى أهله معنى غيرُ انتظار الصلاة في المسجد.

وقد يكون انتظار الصلاة لمعنيين:

أحدهما: أن ينتظر وقتها.

والثاني: أن ينتظر إقامتها في الجماعة.

وفي "المبسوط": سئل مالك عن رجل صلى في غير ‌جماعة، ‌ثم ‌قعد ‌بموضعه ينتظر صلاة أخرى، أتراه في صلاة، بمنزلة من كان في المسجد كما جاء في الحديث؟

قال: نعم، إن شاء الله، أرجو أن يكون ذلك" انتهى "المنتقى" (1/284).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" ولو قعدت المرأة في مصلّى بيتها، تنتظر وقت الصّلاة الأخرى، فتقوم إليها؛ لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث؛ لأنّها حبست نفسها عنِ التّصرّف رغبة في الصّلاة، وخوفا من أن تكون في شغل يفوتها معه الصّلاة.

ومن هذا المعنى قيل: وانتظار الصّلاة رباط؛ لأنّ المرابط يحبس نفسه عن المكاسب والتّصرّف، إرصادا للعدوّ، وملازَمة للموضع الّذي يخشى فيه طريق العدوّ " انتهى. "الاستذكار" (6/210).

وبنحو هذا قال الشيخ عبد العزيز بن باز، في مسألة المرأة تمكث بعد الفجر في مصلاها، لنيل أجر حجة وعمرة.

حيث سُئل رحمه الله تعالى:

" هل المكوث في المنزل بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن حتى تطلع الشمس، ثم يصلي الإنسان ركعتي الشروق، له نفس الأجر الذي يحصل بالمكوث في المسجد. نرجو من سماحتكم الإفادة أطال الله في عمركم على طاعته؟

فأجاب: هذا العمل فيه خير كثير، وأجر عظيم.

ولكن ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك: أنه لا يحصل له نفس الأجر الذي وعد به من جلس في مصلاه في المسجد.

لكن لو صلى في بيته صلاة الفجر لمرض أو خوف، ثم جلس في مصلاه يذكر الله، أو يقرأ القرآن، حتى ترتفع الشمس، ثم يصلي ركعتين؛ فإنه يحصل له ما ورد في الأحاديث، لكونه معذورا حين صلى في بيته.

وهكذا المرأة إذا جلست في مصلاها بعد صلاة الفجر، تذكر الله أو تقرأ القرآن، حتى ترتفع الشمس، ثم تصلي ركعتين: فإنه يحصل لها ذلك الأجر الذي جاءت به الأحاديث، وهو أن الله يكتب لمن فعل ذلك أجر حجة وعمرة تامتين.

والأحاديث في ذلك كثيرة يشد بعضها بعضا، وهي من قسم الحديث الحسن لغيره.

والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز" (11 / 403).

وقال الشيخ عبد الكريم الخضير أثابه الله تعالى:

" ولو أن امرأة قعدت في مصلاها جلست في مصلاها في بيتها تنتظر الصلاة الثانية.

( الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ ما دامَ فِي مُصَلَّاهُ ): ومعروف أن الخطاب للرجال يتناول النساء، فإذا جلست المرأة في مصلاها، التي صلت فيه تذكر الله -جل وعلا-، تنتظر الصلاة اللاحقة؛ فالنص يتناولها -إن شاء الله تعالى-؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبةً في الصلاة " انتهى. "شرح الموطأ" (25 / 33 بترقيم الشاملة).

ثالثا:

وإذا لازمت المرأة موضع صلاتها، مضطجعة حابسة لنفسها، انتظارا للصلاة، فيرجى أن تنال فضل انتظار الصلاة والرباط؛ لأن الحديث لم يشترط هيئة معينة لانتظار الصلاة غير ملازمة مجلس الصلاة.

كما قال الملا علي القاري عن المكوث في المصلى بعد الفجر، قال رحمه الله تعالى:

" (من صلى الفجر) أي: صلاة الصبح، (في جماعةٍ، ثم قعد) أي: استمرّ على حال ذكره، سواء يكون قائما أو قاعدا ‌أو ‌مضطجعا، والجلوس أفضل …" انتهى. "الحرز الثمين للحصن الحصين" (1/191).

وقال الشيخ عبد الكريم الخضير أثابه الله تعالى:

" فهل ينقطع انتظاره للصلاة واستغفار الملائكة له والدعاء له، بمثل هذا التصرف، الاستلقاء ووضع رجل على رجل على الأخرى؟...

أو نقول: إنه ارتاح لحاجته إلى الراحة، والتزم ما ترتب على هذه الراحة؟ يعني قطع انتظار الصلاة بهذا الاستلقاء، أو قطع المكث في مكانه في مصلاه بهذا الفعل.

أو نقول: إنه يجري له ما وعد به ولو كان مستلقياً، ما دام في مصلاه الذي صلى فيه وهو المسجد ...

أجره جار -إن شاء الله تعالى- إذا قصد بهذا الاستلقاء وهذه الراحة: الاستعانة بها على متابعة هذا العمل من طاعة الله عز وجل، والأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد " انتهى. "شرح الموطأ" (28/14).

وما تأتيها من غفوة عارضة لم تقصدها، ولم تقصد قطع نيتها وقصدها، فيرجى لها الأجر؛ لأن الأعمال بالنيات، بخلاف من يتعمد النوم، ويقطع نية رباطه وانتظاره الصلاة.

لكن لا تنتبه في غفوتها؛ ألا تستغرق، فتنام، فتنقض وضوءها؛ فإن الحدث يقطع عن صاحبه هذا الرباط وحكمه.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (170086).

الخلاصة:

الأصل في هذا الرباط لانتظار الصلاة، أن يكون في المسجد، فهذا الذي يدل عليه سياق الحديث.

لكن من هو معذور في التخلف عن جماعة المسجد أو غير مأمور بها كالنساء، إذا لازم مصلاه ناويا انتظار الصلاة القادمة؛ فيرجى له هذا الأجر لأنه حرص عليه باتخاذ ما يستطيعه من الأسباب وفضل الله واسع، والحديث لم يشترط هيئة معينة للجلوس حال انتظار الصلاة، فيرجى لمن مكث منتظرا الصلاة جالسا أو مضطجعا أن يدرك هذا الفضل.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android