أولا:
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وتلزم من كان عقله معه مهما كان مرضه.
فيلزمك أداء الصلاة، ولا يضرك ما يخرج منك من كلمات لا تليق؛ لعدم إرادتها.
فالموسوس والمريض المغلوب على أمره الذي يتكلم بما لا يريد، لا يؤاخذ بكلماته، لا في الصلاة ولا في الطلاق ولا في الردة أو غيرها.
قال القرافي في "الفروق" (3/ 163): " فحيث قال الفقهاء: إن النية شرط في الصريح، فيريدون القصد لإنشاء الصيغة، احترازا من سبق اللسان لما لم يقصد، مثل أن يكون اسمها طارقا، فيناديها، فيسبق لسانه فيقول لها: يا طالق؛ فلا يلزمه شيء ; لأنه لم يقصد اللفظ.
وحيث قالوا: النية ليست شرطا في الصريح، فمرادهم القصد لاستعمال الصيغة في معنى الطلاق [أي قصد إيقاع الطلاق]؛ فإنها لا تشترط في الصريح إجماعا، وإنما ذلك من خصائص الكنايات أن يقصد بها معنى الطلاق " انتهى.
وصرح الحنفية بأنه لا يقع طلاق الموسوِس؛ لأنه مغلوب على عقله .
وينظر: "البحر الرائق" (5/51) كما ينظر: "أعلام الموقعين" لابن القيم (4/49).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد ، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة ، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا طلاق في إغلاق " . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة ، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/277).
ثانيا:
الكلام في الصلاة: إذا كان بغير قصد، لم تبطل الصلاة.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله في بيان ما يبطل الصلاة من الكلام:" وشرطه في الاختيار : ( العمد ) ، مع العلم بتحريمه ، وأنه في صلاة ، فلا تبطل بقليل كلامٍ، ناسيا للصلاة ، أو سبق إليه لسانه ، أو جهل تحريمه فيها .. " انتهى من" الإقناع" (1/147) .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/ 37): " القسم الثالث: أن يتكلم مغلوبا على الكلام. وهو ثلاثة أنواع: أحدها أن تخرج الحروف من فيه بغير اختياره، مثل أن يتثاءب، فيقول: هاه، أو يتنفس، فيقول: آه. أو يسعل، فينطق في السعلة بحرفين، وما أشبه هذا، أو يغلط في القراءة، فيعدل إلى كلمة من غير القرآن، أو يجيئه البكاء فيبكي ولا يقدر على رده= فهذا لا تفسد صلاته.
نص عليه أحمد، في الرجل يكون في الصلاة، فيجيئه البكاء، فيبكي؟
فقال: إذا كان لا يقدر على رده لا تفسد صلاته. وقال: قد كان عمر يبكي، حتى يُسْمَع له نشيج.
وقال مهنا: صليت إلى جنب أحمد فتثاءب خمس مرات، وسمعت لتثاؤبه: هاه هاه. وهذا لأن الكلام هاهنا لا ينسب إليه، ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ـ أيضا ـ : " العفوي ما يلام عليه الإنسان ، ولا يؤخذ به ؛ حتى لو تكلم ؛ لو أن إنساناً سقط عليه وهو يصلي حجر فقال : أح ، عفواً بدون قصد : فلا شيء عليه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (235/ 19).
ثالثا:
الوساوس والأفكار الرديئة: إذا كان الإنسان كارها لها فلا إثم عليه، بل يؤجر على كراهتها ومدافعتها.
روى مسلم (132) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ).
وروى مسلم (133) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَسْوَسَةِ قَالَ: (تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ).
أي كراهتها واستعظام النطق بها.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/ 154): " أَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيث وَفِقْههَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَلِكَ صَرِيح الْإِيمَان , وَمَحْض الْإِيمَان) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان, فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ، فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده: إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك" انتهى.
وقال رحمه الله في "الأذكار" ص345: " فأما الخواطر، وحديث النفس، إذا لم يستقرَّ، ويستمرّ عليه صاحبُه: فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ ".
قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرّ.
قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفراً أو غيرَه، فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ، من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال: فليس بكافر، ولا شيء عليه" انتهى.
والحاصل:
أنه لا عذر لك في ترك الصلاة، ولا يضرك ما تتكلمين به، ونسأل الله أن يشفيك ويعافيك.
والله أعلم.