حديث: ( من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ ... )، هل هو موقوف أم مرفوع؟

السؤال: 584275

هل فعلا أن حديث ابن مسعود عن أجر قراءة القرآن: "من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ (الـم) حرفٌ، ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ، و(لامٌ) حرفٌ، و(ميمٌ) حرفٌ" موقوف على ابن مسعود، أي إنه من كلام ابن مسعود؟ أم إنه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل هو حديث صحيح؟

ملخص الجواب

هذا الخبر ورد من طرق كثيرة موقوفا من كلام ابن مسعود، ومرفوعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأصح طرقه، فيها أنه موقوف، وكل طرقه المرفوعة فيها ضعف أو مقال.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ … ) الحديث.

قد ورد بطرق عديدة، واختلفت في رفعه ووقفه.

فورد موقوفا - على أنه كلام ابن مسعود رضي الله عنه - من طرق كثيرة، أقواها:

ما رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص252)، والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص54): عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ.

وسعيد بن منصور في "السنن - التفسير" (1 / 35)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص62): عَنْ شُعْبَةَ.

وابن أبي شيبة في "المصنف" (16/395)، والفريابي في "فضائل القرآن" (ص169): عَنْ أَبي الْأَحْوَصِ ‌سَلَّام ‌بْنُ ‌سُلَيْم.

كلهم: (شعبة، وحماد بن سلمة، وأبو الأحوص) يروونه: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: ( تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ بِكُلِّ اسْمٍ فِيهِ عَشْرًا، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ بِأَلِفٍ لَامٍ مِيمٍ عَشْرًا، وَلَكِنْ بِالْأَلِفِ عَشْرًا وَبِاللَّامِ عَشْرًا وَبِالْمِيمِ عَشْرًا ).

وقد وافقهم جملة من الرواة، في أقوى الطرق عنهم عن عطاء، في وقفه على ابن مسعود، منهم:

سفيان الثوري، كما عند الدارمي في "المسند" (4/2084)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَبِيصَةُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ( تَعَلَّمُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ بِتِلَاوَتِهِ ‌بِكُلِّ ‌حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ … ) الخبر.

قال ابن منده رحمه الله تعالى:

" قال الطّبرانيّ: رفعه أبو عاصم، ووقفه عبد الرّزّاق والنّاس.

حدّثناه الدّبريّ عن عبد الرّزّاق، عن سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه رضي الله عنه مثله موقوفا.

وممّن وقفه: شعبة، وهشيم، وجرير، ومحمّد بن فضيل الضّبّيّ، وغيرهم " انتهى. "الرد على من يقول الم حرف" (ص44).

وكذا رواه غير عطاء، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود موقوفا؛ فمن ذلك:

رواية عاصم بن أبي النجود:

رواها الحاكم في "المستدرك" (1/566): عن حَامِد بْن مَحْمُودِ بْنِ حَبِيبٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّشْتَكِيُّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ.

وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص61): عَنْ حَجَّاج، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ عَاصِمَ ابْنَ بَهْدَلَةَ أَخْبَرَهُ.

وعاصم يرويه: عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ( إِنَّ ‌أَصْفَرَ ‌الْبُيُوتِ ‌بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، فَاقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ … ).

ورواية قتادة:

رواها ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص46): عَنْ مُعَاذ بْن هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ( تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَاتْلُوهُ فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ ‌بِكُلِّ ‌حَرْفٍ عَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، لَا أَقُولُ لَكُمْ الم [البقرة: 1] وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ ).

قال الدارقطني رحمه الله تعالى:

" يرويه عطاء بن السّائب واختلف عنه:

فرفعه عنه محمّد بن أحمد بن جنيد، عن أبي عاصم، عن الثّوريّ، عن عطاء.

ووقفه غيره، عن الثّوريّ.

وكذلك رواه أبو الأحوص، وشعبة، وحمّاد بن زيد، وجرير، وهشام، وجعفر بن سليمان، وابن فضيل، وفطر، عن عطاء.

ورواه حمّاد بن سلمة، عن عطاء، عن أبي الأحوص، وأبي البَخْتَريّ، زاد فيه أبا البختري.

ورواه عاصم بن أبي النجود، وإبراهيم الهجري، وثابت البناني، وسلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص موقوفا أيضا.

وهو الصواب " انتهى. "علل الدارقطني" (5 / 325 - 326).

وتتقوى هذه الطرق:

بما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (16 / 394)، وابن منده في "الرد على من يقول الم حرف" (ص56): عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ( تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ ‌بِكُلِّ ‌حَرْفٍ ‌مِنْهُ ‌عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَيُكَفَّرُ بِهِ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: الم، وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ عَشْرٌ، وَلَامٌ عَشْرٌ، وَمِيمٌ عَشْرٌ ).

وبما رواه عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 102)، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفِ آيَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَلَا أَقُولُ الم، عَشْرٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ، وَلَامٌ، وَمِيمٌ، ثَلَاثُونَ حَسَنَةً ).

وبما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (16 / 395): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ ‌شِبَاك [رجح محققو الكتاب أنه شباك وليس سليمان، وهو ثقة] الضَّبِّيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَوْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، ‌كَانَ ‌لَهُ ‌بِكُلِّ ‌حَرْفٍ ‌عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَحْوُ عَشْرِ سَيِّئَاتٍ ).

وأما الطرق التي رفعت هذا الخبر عن ابن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهي كلها لا تخلو من مقال أو ضعف، وأقواها:

ما رواه الترمذي (2910)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ"، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ).

قال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ يُكْنَى أَبَا حَمْزَةَ " انتهى.

لكن هناك كلام في سماع محمد بن كعب من ابن مسعود.

فمن أهل العلم من نص على استبعاد ولادة محمد بن كعب في عهد النبي صلى عليه وسلم.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" قيل: ولد محمّد بن كعب في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يصحّ ذلك " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (5/65).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة القرظيّ، المدنيّ، وكان قد نزل الكوفة مدة: ثقة عالم، من الثالثة، ولد سنة أربعين على الصحيح، ووَهِمَ من قال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال البخاريّ: إن أباه كان ممن لم ينبت من سبي قريظة " انتهى. " تقريب التهذيب" (ص504).

ورأوا أن تاريخ وفاته ومدة حياته تشير إلى عدم سماعه من ابن مسعود، بل تشير إلى أنه ولد بعد وفاة ابن مسعود.

فابن مسعود رضي الله عنه توفي سنة 32 هـ أو في التي بعدها.

ومحمد بن كعب عاش حوالي ثمانين سنة وتوفي بعد سنة مائة للهجرة بثمان سنوات أو أكثر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وقال ابن حبان: كان من أفاضل أهل المدينة علما وفقها، وكان يقص في المسجد، فسقط عليه وعلى أصحابه سقف، فمات هو وجماعة معه تحت الهدم سنة ثماني عشرة.

وأرخه أبو بكر بن أبي شيبة وغير واحد سنة ثمان ومائة.

وقال يعقوب بن شيبة، وغيره: مات سنة سبع عشرة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة.

وقال ابن نمير: مات سنة تسع عشرة.

وقال ابن سعد، وغيره: مات سنة عشرين.

وقيل غير ذلك " انتهى. "تهذيب التهذيب" (3/685).

ففي ثبوت سماعه عن ابن مسعود نظر عند طائفة من أهل الحديث، وقد توقف البخاري، فلم يحكم باتصال هذا السند.

فقال رحمه الله تعالى:

"حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُود، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ )، قَالَ مُحَمَّد: لا أدري حفظه أم لا " انتهى. "التاريخ الكبير" (1/216).

ولعله يشير بشكه هذا إلى الضحاك بن عثمان، فهو وإن وُثِّق، ففيه كلام من جهة ضبطه.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" ضحاك بن عثمان الحزامي من ولد حكيم بن حزام...

أخبرنا علي بن أبي طاهر فيما كتب إلي، قال: حدثنا الأثرم، قال: قال أبو عبد الله احمد ابن حنبل: الضحاك بن عثمان مديني ثقة.

أخبرنا يعقوب ابن إسحاق الهروي فيما كتب إلي، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال سألت يحيى بن معين عن الضحاك ابن عثمان كيف حديثه؟ فقال: ثقة.

سمعت أبي يقول: الضحاك بن عثمان يكتب حديثه ولا يحتج به.

سألت أبا زرعة عن الضحاك بن عثمان؟ فقال: ليس بقوى " انتهى. "الجرح والتعديل" (4/ 460).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" الضحاك بن عثمان، قال: يعقوب بن شيبة: صدوق في حديثه ضعف. ليّنه القطان " انتهى. "المغني في الضعفاء" (1/312).

الخلاصة:

هذا الخبر ورد من طرق كثيرة موقوفا من كلام ابن مسعود، ومرفوعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

وأصح طرقه، فيها أنه موقوف، وكل طرقه المرفوعة فيها ضعف أو مقال.

هذا كله من حيث السند.

أما متنه: فالظاهر أنه مما له حكم الرفع، فإن مثله – مقادير الأجور التي هي من علم الغيب ولا تعلم إلا بنص من الوحي - لا يمكن أن يقوله ابن مسعود رضي الله عنه من رأيه، فلذا يرجى لقارئ القرآن هذا الأجر العظيم.

وقد سبق في الموقع بيان حكم قول الصحابي ومتى يحكم له بالرفع، وهذا في جواب السؤال رقم: (229770).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android