أولا:
يجوز للإنسان أن يشرك غيره في الوقف، فيقف مصحفا له ولوالديه، ويصلهما أجر من قرأ في هذا المصحف.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/ 147): " (وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها، أو بعضه، كالنصف ونحوه) كالثلث أو الربع (لمسلمٍ حي أو ميت: جاز) ذلك (ونفعه ذلك؛ لحصول الثواب له. (من) - بيانٌ لكل قربة- (تطوع، وواجب تدخله النيابة، كحج ونحوه) كصوم نذر، (أو لا) تدخله النيابة (كصلاة وكدعاء واستغفار، وصدقة) وعتق (وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها). قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه " انتهى بتصرف.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " أريد أن أتصدق على والدي بعد وفاتهما بأي صدقة كانت كبناء مسجد أو معهد ديني لتعليم القرآن الكريم، أو ما شابه ذلك من الصدقات، فهل يجوز إشراكهما في مشروع واحد، أو لا بد لكل منهما من مشروع منفرد؟
فأجاب: لا مانع من إشراكهما في مشروع واحد، وأنت معهم أيضا، أنت أيها المتصدق معهم تجعل نفسك معهم، أو من شئت من أقاربك، الحمد لله، الأمر واسع، فضل الله واسع، فلا مانع أن يكون المشروع لأبيك أو أمك أو لهما جميعا، أو لك معهما أيضا، كله طيب" انتهى من فتاوى نور على الدرب (14/ 302).
ثانيا:
لا حرج في جعل الوقف أو الصدقة الجارية عن عموم المسلمين؛ لأن الصدقة يصل ثوابها للميت اتفاقا، وإدخال عموم المسلمين في ذلك لا حرج فيه، كالدعاء لهم بقولك: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
قال ابن القيم رحمه الله: "الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشرَة: وَهِي هَل تنْتَفع أَرْوَاح الْمَوْتَى بِشَيْء من سعى الْأَحْيَاء أم لَا؟
فَالْجَوَاب: أَنَّهَا تنْتَفع من سعى الْأَحْيَاء بأمرين مجمع عَلَيْهِمَا بَين أهل السّنة من الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث وَالتَّفْسِير:
أَحدهمَا: مَا تسبب إِلَيْهِ الْمَيِّت فِي حَيَاته.
وَالثَّانِي: دُعَاء الْمُسلمين لَهُ واستغفارهم لَهُ وَالصَّدَقَة وَالْحج، على نزاع مَا الَّذِي يصل من ثَوَابه: هَل ثَوَاب الْإِنْفَاق أَو ثَوَاب الْعَمَل؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُور يصل ثَوَاب الْعَمَل نَفسه، وَعند بعض الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا يصل ثَوَاب الْإِنْفَاق" انتهى من "الروح" ص 117
وقال ابن عابدين رحمه الله: " وفي التتارخانية عن المحيط: الأفضل لمن يتصدق نفلا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأنها تصل إليهم، ولا ينقص من أجره شيء اهـ" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (2/ 357).
ثالثا:
الذي يظهر أن الأجر ينقسم على الجميع، بالتساوي، إذا أطلق أنها له ولمن سماهم، ويجوز أن يجعل له النصف مثلا، ولهم النصف، كما تقدم في كلام البهوتي.
وأما أن يصل الأجر كاملا لكل واحد، أي لو قرأ إنسان ختمة في المصحف الموقوف، أخذ كل واحد ثواب ختمة، فلا وجه لذلك؛ لأنها ختمة واحدة، فكيف تصير ختمات؟
بل ثواب الختمة يكون للجميع، إما بالتساوي، وإما بحسب ما نوى الواقف لغيره من نصف أو ربع ونحوه.
والله أعلم.