أولا:
السمسرة والوساطة تدخل في عقد الجعالة، وهو الاتفاق على عمل مقابل جُعل، سواء كان الجعل مبلغا مقطوعا أو نسبة من الثمن، كالاتفاق مع البائع على بيع شقته مقابل ذلك، أو الاتفاق مع المشتري على الشراء له مقابل جعل أو عمولة.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ؛ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا؛ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " انتهى.
ثانيا:
الأصل في الجعالة، أنه لا يأخذ الجعل إلا من قام بالعمل.
فلو تعامل البائع مع أكثر من سمسار، أو مكتب عقار، فلا يستحق الجعل إلا من قام بالعمل، أي أحضر الزبون الذي اشترى وأتم الصفقة.
ثالثا:
إذا اشترك أكثر من سمسار في جلب الزبائن، أو إحضار الشقة مثلا، فهنا تفصيل:
1-فإن كان بينهم اتفاق أو عرف مطرد أنهم يتقاسمون الجعل، بالتساوي أو بنسب معلومة، كأن يأخذ من جرت الصفقة على يده النصف، ويعطي النصف للبقية: وجب ذلك؛ لقوله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بالعقود) المائدة/1، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) أبو داود (3594)، وصححه الألباني في "الإرواء" (1303).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان هناك عرف معروف: أن الدلال يسلم السلعة إلى من يأتمنه، كان العرف المعروف، كالشرط المشروط.
ولهذا ذهب جمهور أئمة المسلمين: كمالك وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم: إلى جواز "شركة الأبدان"، كما قال ابن مسعود: اشتركت أنا وسعد بن أبي وقاص وعمار يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 98).
وقال رحمه الله: "كشركة الدلالين، وقد نص أحمد على جوازها، فقال في رواية أبي داود، وقد سئل عن الرجل يأخذ الثوب ليبيعه، فيدفعه إلى الآخر، يبيعه ويناصفه، فيما يأخذ من الكراء؟ قال: الكراء للذي باعه؛ إلا أن يكون يشتركان فيما أصابا.
ووجه صحتها: أن بيع الدلال وشراءه بمنزلة خياطة الخياط، ونجارة النجار وسائر الأُجراء المشتركين، ولكل منهم أن يستنيب، وإن لم يكن للوكيل أن يوكل.
ومأخذ من منع: أن الدلالة من باب الوكالة، وسائر الصناعات من باب الإجارة.
وليس الأمر كذلك" انتهى من "الاختيارات الفقهية ضمن الفتاوى الكبرى" (5/ 404).
وقد لا يكون بينهم اتفاق على أن يشارك الجميع في العمولة، وإنما يأخذ العمولة السمسار الأخير ومن دله من السماسرة، فالأمر أيضا بحسب الاتفاق.
2-وإن لم يكن بينهم اتفاق، ولا عرف مطرد، فالعمولة إنما تكن لمن تم البيع على يده، لأنه الذي قام بالعمل.
والله أعلم.