هذا القول ليس له مستند من النصوص الشرعية، وكل الأخبار الواردة فيه أسانيدها ضعيفة جدا
قول معروف الكرخي: ( من أدام النظر في المصحف متعه الله ببصره ) هل له دليل؟
السؤال: 582325
أرسل لي أحدهم هذه المقولة "من أدام النظر في المصحف متعه الله ببصره، وخفف عن والديه العذاب، ولو كانا كافرين"، وعندما سألته عن مصدرها أخبرني أن قائلها هو شخص يدعى معروفا الكرخي، وقد ذكرت في كتاب "المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد"، فما صحتها؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هذا القول ينسب لمعروف الكرخي، ولم نقف على إسناده إليه، لكن ذكره ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (2 / 483 - 484):
" وقال معروف: مَنْ أَدَامَ النَّظَرَ في المُصْحَف متَّعه اللهُ بِبَصرِهِ، وخَفَّفَ عَن وَالِدَيْهِ العَذَابَ، ولو كَانَا كَافِرَيْنِ " انتهى.
وهذا قول لا يعرف له مستند من الوحي؛ ومثل هذا إنما سبيل معرفته الوحي لا الاجتهاد والنظر.
وقد ورد هذا الكلام في خبر منسوب إلى ابن عمر رضي الله عنه:
رواه ابن حبان في "المجروحين" (2 / 330): عن محمد بن المهاجر، عن أبي معاوية، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ حَفِظَ القُرْآنَ نَظَرًا: خُفِّفَ عَلَى أَبَوَيْهِ الْعَذَابُ، وإِنْ كَانَا كافِرَيْن، وَمُتِّعَ بِبَصَرِهِ ).
ثم قال ابن حبان رحمه الله تعالى: " وهذا موضوع لا شك فيه ".
وقال عن راوي هذا الخبر وهو محمد بن المهاجر: " يضع الحديث على الثقات، ويقلب الأسانيد على الأثبات، ويزيد في الأخبار الصحاح " انتهى. "المجروحين" (2 / 330).
وورد نحوه من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه:
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3 / 516 - 517)، قال:
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الطيب محمد بن عبد الله الشعيري، حدثنا أبو الخطيب عبد الله بن محمد القاضي، حدثنا محمد بن حميد، قال: رمدت فشكوت ذلك إلى جرير، فقال: آدم النظر في المصحف، فإني رمدت فشكوت ذلك إلى المغيرة، فقال لي: آدم النظر في المصحف، فإني رمدت فشكوت ذلك إلى إبراهيم، فقال لي: آدم النظر في المصحف، فإني رمدت فشكوت ذلك إلى علقمة، فقال لي: آدم النظر في المصحف، فإني رمدت فشكوت ذلك إلى عبد الله بن مسعود، فقال لي أدِمِ النظر في المصحف، فإنّي رمدت فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ( أدِمِ النظَر في المصحف فإنّي رمدتُ فشكوتُ ذلك إلى جبريل صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أدِمِ النظر في المصحف ).
ورواه أيضا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، عن محمد بن داود المخضوب أبي بكر، عن محمد بن حميد الرازي هكذا كما أخبرناه شيخنا في التاريخ.
ورواه أبو بشر المصعبي، عن محمد بن حمك أبي الحسن القصير، عن محمد بن حميد مسلسلا، وزاد فيه شكاية جبريل إلى ربه عز وجل، وقال في إسناده: عن جرير، عن منصور، بدل مغيرة. وأبو بشر المصعبي متروك " انتهى.
فمدار هذا الخبر على محمد بن حميد، وهو متروك، كما أشار إلى هذا البيهقي، حيث قال رحمه الله تعالى عقب هذا الخبر:
" وهذا حديث منكر، ولعل البلاء فيه من محمد بن حميد الرازي. والله أعلم " انتهى.
بل ابن حميد هذا متهم.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"محمد بن حميد الرازي الحافظ: عن يعقوب العمي، وجرير، وابن المبارك.
ضعيف لا من قبل الحفظ، قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو زرعة: يكذب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذكوني" انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 573).
ومع ضعف سنده، فإن معناه باطل أيضا؛ لأن المصاحف لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما أشار إلى هذا بعض أهل العلم عند تضعيفهم لأحاديث الحث على النظر في المصحف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الحر بن مالك، أبي سهل العنبري:
" أتى بخبر باطل، فقال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله - مرفوعا - قال: ( من سره أن يحبه الله ورسوله فليقرأ في المصحف ).
رواه ابن عدي في ترجمته، فقال: حدثنا ابن بخيت، حدثنا إبراهيم بن جابر، حدثنا الحر بن مالك، فذكره.
وإنما اتخذت المصاحف بعد النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "ميزان الاعتدال" (1 / 436 — 437).
وورد من حديث ابن عباس رضي الله عنه:
رواه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (ص67)، والرازي في "فضائل القرآن وتلاوته" (ص145): عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَدَامَ النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ مُتِّعَ بِبَصَرِهِ مَا بَقِيَ فِي الدُّنْيَاى).
ومدار إسناد هذا الخبر على مسلمة بن علي، وهو متروك.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"مسلمة بن علي الخشني الشامي: ...
تركوه، وقال دحيم: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: لا يشتغل به " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 657).
والظاهر أن هذا المتن هو الذي نص أبو داود رحمه الله تعالى على بطلانه.
قال الآجري رحمه الله تعالى:
" قلت لأبي داود: وحَدَّث [أي الحسن بن يحيى الخشني] عن ابن جُريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( من أدام النظر في المصحف … )؟
فقال: هذا باطلٌ، وقد بلغني " انتهى. "سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل" (2 / 231).
وورد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه:
رواه تمام في "الفوائد" (1 / 130)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا طَلْحَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ وَرَتِّلُوهُ ... وَمَنْ قَرَأَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِائَتَيْ آيَةٍ نَظَرًا مُتِّعَ بِبَصَرِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَرُفِعَ لَهُ مِثْلُ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ شَيْءٍ رَطْبٍ وَيَابِسٍ حَسَنَةً، وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ … ).
وهذا إسناد فيه عدد من المجاهيل.
ومن حديث أنس رضي الله عنه:
جاء في "كنز العمال" (1 / 536):
" ( من قرأ القرآن نظرا متع ببصره ). (ابن النجار) عن أنس " انتهى.
ولم نقف على إسناده.
الخلاصة:
هذا قول لا نص عليه من الوحي؛ وكل الأخبار الواردة فيه أسانيدها تالفة ضعيفة جدا، ونص على بطلانه وأنه مكذوب عدد من أئمة الحديث.
وأعلى ما ورد في هذا الباب قول ابن مسعود رضي الله عنه في الحث على مداومة النظر في المصحف.
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 94 - 95)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5 / 373 )، وغيرهما: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ( أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ ).
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟