ما حكم تسريع صوت التلاوة لأجل المراجعة والحفظ؟

السؤال: 582044

أنا طالب مقبل على حفظ القرآن الكريم ان شاء الله تعالى، وقد دار نقاش بيني وبين صديقي حول مسألة الاستماع للقرآن بصوت مسرّع جدًا، مثلاً بسرعة 2.5×؛ لغرض المراجعة أو الحفظ.
صديقي يستمع بهذه الطريقة، ويقول: إنه اعتاد عليها ويستطيع الفهم، وأنا حين جرّبت الاستماع بنفس السرعة لم أستطع تمييز الكلمات جيدًا، وشعرت أن الآيات متداخلة وغير مفهومة، بحثت عن فتاوى، ووجدت بعضها تقول :إنه لا بأس بتسريع الصوت بشرط أن تبقى الآيات مفهومة غير متداخلة.
سؤالي هو:
هل يختلف الحكم بحسب قدرة الشخص على الفهم؟ هل يجوز أن يستمع الإنسان للقرآن بصوت مسرّع جدًا (مثل 2.5×) للحفظ، إذا كان يدرك الكلمات؟ وإذا كان لا يدركها جيدًا، أو كانت الكلمات متداخلة عليه، فهل يكون في ذلك امتهان أو مخالفة للأدب مع القرآن؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

لا حرج في استماع القرآن الكريم مع تسريع الصوت، ما دام لا يؤدي إلى تضييع الحروف أو تداخلها، فإن تداخلت الحروف ولم تتضح منع من ذلك؛ لمنافاته تعظيم القرآن وتوقيره، ولأنها مع التداخل لا تكون قرآنا.

والقارئ إن كان يقرأ بمرتبة الترتيل أو التدوير، وتم تسريع القراءة إلى درجة 2 أو 2.5 أمكن سماع القراءة دون تداخل للحروف، بخلاف ما لو كان يقرأ بالحدر، فإنه مع التسريع المذكور قد يقع المحذور.

وقد استمعنا لتلاوات عدة مع درجة التسريع 2.5 فكانت الآيات واضحة، والحروف ظاهرة، غير متداخلة.

وقد يسهل الأمر على الحافظ والمستمع المنصت، بخلاف غيرهما فربما لم يفهم المقروء.

وقد ذكر علماء التجويد أن القراءة لها مراتب.

قال الشيخ عطية قابل نصر في "غاية المريد في علم التجويد" ص19: " للقراءة ثلاث مراتب: الترتيل، والتَّدْوير، والْحَدْر:

أما التَّرتيل: فهو قراءة القرآن الكريم بِتُؤَدَةٍ وطُمأنينة، مع تدبر المعاني ومراعاة أحكام التجويد، وهذه المرتبة هي أفضل المراتب الثلاث حيث نزل بها القرآن الكريم ، والله -سبحانه وتعالى- أمر نبيه بها فقال: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً .

أما التَّدْويرُ: فهو قراءة القرآن الكريم بحالة متوسطة بين الاطمئنان والسرعة مع مراعاة الأحكام، وهي تلي الترتيل في الأفضلية.

وأما الْحَدْرُ: فهو قراءة القرآن الكريم بسرعة مع المحافظة على أحكام التجويد.

وهذه المراتب كلُّها جائزة، وإليها أشار صاحب كتاب لآلئ البيان بقوله:

حدرٌ وتدويرٌ وترتيلُ تُرى ... جميعُها مراتبًا لمن قَرَا

وذكر بعض علماء التجويد مرتبة رابعة، وهي مرتبة التَّحْقيق، وقالوا بأنها أكثر تؤدة، وأشد اطمئنانًا من مرتبة الترتيل، وهي التي تستحسن في مقام التعليم، ولكن لا بد أن يحترز معها من التمطيط، والإفراط في إشباع الحركات، حتى لا يتولد منها بعض الحروف، ومن المبالغة في الغنات إلى غير ذلك مما لا يصح.

هذا ويُحترز أيضًا مع مرتبة الحدر من الإدماج، ونقص المدود والغنات، فالقراءة كما قيل بمنزلة البياض إن قل صار سمرة، وإن كثر صار برصًا.

وروي عن حمزة أنه قال لبعض من سمعه يبالغ في ذلك: أما علمت أن ما كان فوق الجعودة فهو قطط، وما كان فوق البياض فهو بَرَصٌ، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة. ا. هـ، كلام المحقق ابن الجزري في النشر" انتهى.

ونبه ابن الجزري رحمه الله على ما يخالف أحكام التجويد عند القراءة بالحدر فقال:

" هو-أي الحدر- عندهم عبارة عن إدراج القراءة، وسرعتها وتخفيفها، بالقصر والتسكين والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمز، ونحو ذلك مما صحت به الرواية، ووردت به القراءة مع إيثار الوصل، وإقامة الإعراب ومراعاة تقويم اللفظ، وتمكن الحروف.

وهو عندهم ضد التحقيق. فالحدر يكون لتكثير الحسنات في القراءة، وحوز فضيلة التلاوة.

وليحترز فيه عن بتر حروف المد، وذهاب صوت الغنة، واختلاس أكثر الحركات، وعن التفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة، ولا توصف بها التلاوة، ولا يخرج عن حد الترتيل، ففي صحيح البخاري أن رجلا جاء إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال: هذًّا كهَذِّ الشعر. الحديث" انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/ 207).

ثانيا:

نذكر هنا فائدة في أي هذه المراتب أفضل؟

قال ابن الجزري رحمه الله: " وقد اختلف في الأفضل هل الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة؟

فذهب بعضهم إلى أن كثرة القراءة أفضل، واحتجوا بحديث ابن مسعود: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها الحديث. رواه الترمذي وصححه، ورواه غيره: "كل حرف عشر حسنات"، ولأن عثمان رضي الله عنه قرأه في ركعة، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة.

والصحيح بل الصواب ما عليه معظم السلف والخلف، وهو أن الترتيل والتدبر، مع قلة القراءة: أفضل من السرعة مع كثرتها؛ لأن المقصود من القرآن فهمه والتفقه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، وقد جاء ذلك منصوصا عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وسئل مجاهد عن رجلين قرأ أحدهما البقرة والآخر البقرة وآل عمران في الصلاة، وركوعهما وسجودهما واحد، فقال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل. ولذلك كان كثير من السلف يردد الآية الواحدة إلى الصباح، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: نزل القرآن ليُعمل به فاتخذوا تلاوته عملا. وروينا عن محمد بن كعب القرظي رحمة الله عليه أنه كان يقول: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح "إذا زلزلت الأرض" و"القارعة" لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر، أحب إلي من أن أهُذّ القرآن هذًّا، أو قال: أنثره نثرا.

وأحسن بعض أئمتنا - رحمه الله - فقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا، وإن ثواب كثرة القراءة أكثر عددا، فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة.

وقال الإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله -: واعلم أن الترتيل مستحب لا لمجرد التدبر، فإن العجمي الذي لا يفهم معنى القرآن يستحب له أيضا في القراءة الترتيل والتؤدة؛ لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام، وأشد تأثيرا في القلب من الهذرمة والاستعجال" انتهى من "النشر" (1/ 208).

والحاصل:

أن القارئ إن كان يقرأ بالتحقيق أو بالترتيل أو التدوير، فإن تسريع الصوت إلى درجة 2.5 لا يحصل معها إخلال، بخلاف ما لو كان يقرأ ابتداء بالحدر، فيخشى حينئذ من ضياع الغنن والمدود والحروف وتداخلها.

فمن احتاج إلى تسريع القراءة للمراجعة والحفظ فليختر قارئا يقرأ بالترتيل أو التدوير.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android