الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبات، في أيام التشريق: مستحبٌّ شرعًا، بل هو من إظهار شعائر الله تعالى.
وهو ذكر يسير لا يضر صلاة المسبوقين، ومصلحته في إظهار شعائر الله تعالى عظيمة.
جاء في "كشاف القناع" (2/ 59): "ويجزئ مرة واحدة، وإن زاد على مرة فلا بأس. وإن كرره ثلاثاً فحسن. قال في المبدع: وأما تكريره ثلاثا، في وقت واحد: فلم أره في كلامهم، ولعله يقاس على الاستغفار بعد الفراغ من الصلاة، وعلى قول: سبحان الملك القدوس، بعد الوتر؛ لأن الله وتر يحب الوتر" انتهى.
وقد مضى عمل المسلمين سلفًا وخلفًا على الجهر بالتكبير من غير نكير.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/ 39) في سياق كلامه عن التكبير المطلق والتكبير المقيد دبر الصلوات المكتوبات في الأضحى: "يستحب رفع الصوت بالتكبير بلا خلاف" انتهى.
وفي "كشاف القناع" (3/ 417): "وأنثى: كذكر؛ تكبر عقب الفرائض في جماعة، وإن لم تكن مع الرجال، لكن لا تجهر به" انتهى. وهو يدل على تقرر جهر الرجال.
والآثار الواردة عن الصحابة في التكبير المقيد بأدبار الصلوات: تدل على الجهر بها؛ وإلا فكيف يعرف الناس أن عمر وعليّاً وعبدَ اللهِ بنُ مَسعودٍ وابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهم أنهم كانوا يكبّرون أدبار الصلوات في أيام التشريق.
عن عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه كان يُكبِّر دُبرَ صلاةِ الغداةِ من يومِ عَرفةَ إلى صلاةِ العصرِ مِن آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ) رواه ابن المنذر في "الأوسط" (2200)، والبيهقي (3/314) (6496).
وعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه كان يُكبِّرُ من صلاةِ الفجرِ يومَ عَرفةَ، إلى صَلاةِ العَصرِ مِن آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/165). صحَّحه الألباني في "إرواء الغليل" (3/125).
وعنِ الأَسودِ، قال: (كانَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ، يُكبِّر من صلاةِ الفَجرِ يومَ عَرفةَ، إلى صلاةِ العصرِ من النَّحرِ؛ يقول: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ولله الحمدُ) رواه ابنُ أبي شَيبةَ في "المصنَّف" (2/165)، والطبرانيُّ (9/355) (9534). جوَّد إسنادَه الزيلعيُّ في "نصْب الرَّاية" (2/223).
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يُكبِّرُ من غَداةِ عَرفةَ إلى صَلاةِ العَصرِ من آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ) رواه الحاكم (1/440) وصحَّحه، والبيهقي (3/314) (6498).
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 250) عَنْ مِسْكِينٍ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، وَكَبَّرَ رَجُلٌ أَيَّامَ الْعَشْرِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَفَلَا رَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُكَبِّرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَيَرْتَجُّ بِهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَخْرُجُ الصَّوْتُ إِلَى أَهْلِ الْوَادِي حَتَّى يَبْلُغَ الْأَبْطُحَ، فَيَرْتَجُّ بِهَا أَهْلُ الْأَبْطَحِ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
قال الإمام مالك رحمه الله: "الأمر عندنا، أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات، وأول ذلك تكبير الإمام والناس معه، دبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه، دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، ثم يقطع التكبير". انتهى من "موطأ مالك رواية يحي الليثي" (1/540).
والله أعلم.