أولا:
اختلف الفقهاء في سبب القصر في منى وعرفة ومزدلفة، فالجمهور على أن ذلك للسفر، فلابد من تحقق سبب القصر في السفر، وهو بلوغ المسافة المبيحة للترخص، وهي أربعة برد، وتقدر ب 83 كيلو، فمن كان بينه وبين منى أو مزدلفة أو عرفة هذه المسافة قصر، وإلا أتم ولو كان حاجا.
وذهب مالك وجماعة إلى أن القصر في هذه الأماكن لأجل النسك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/ 367): "فأما قصر الصلاة، فلا يجوز لأهل مكة. وبهذا قال عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج والثوري، ويحيى القطان، والشافعي، وأصحاب الرأي، وابن المنذر.
وقال القاسم بن محمد، وسالم، ومالك، والأوزاعي: لهم القصر؛ لأن لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم.
ولنا: أنهم في غير سفر بعيد، فلم يجز لهم القصر كغير من في عرفة ومزدلفة" انتهى.
وقال الخرشي المالكي رحمه الله في "شرح مختصر خليل" (2/ 59): "(ص) إلا كمكي، في خروجه لعرفة ورجوعه.
(ش) يريد أن السفر المبيح للقصر إنما هو أربعة بُرُدٍ فصاعدًا، لا أقل من ذلك، على المشهور، ثم استثنى من ذلك مسألة المكي والمحصّبي والمنوي والمزدلفي، فإنه يباح، بل يسن له أن يقصر في خروجه من وطنه لعرفة للنسك، ورجوعه منها لمكة وغيرها من تلك الأوطان؛ للسنة.
وأفهم قوله (في خروجه ورجوعه): أن كل خارج من وطنه يقصر في خروجه منه ورجوعه إليه، لا فيه، فلا يقصر مكي ومنوي ومزدلفي ومحصبي بمحالِّهم، ويقصر المكي إذا خرج لمنى، ولو أدركته الصلاة قبل أن يصل إليها، على الأحسن" انتهى.
فعلى مذهب المالكية يقصر الحاج المكي في منى ومزدلفة وعرفة، وعلى مذهب الجمهور لا يقصر.
ثانيا:
أما غير الحجاج، فإنهم لا يقصرون إلا إذا كانوا مسافرين إلى عرفة أو منى أو مزدلفة سفرا يبلغ المسافة، وهي 83 كيلو.
فإذا كنت من أهل مكة، أو قريبا منها، وليس بينك وبين هذه المشاعر مسافة قصر، فإنك تتم الصلاة، سواء صليت خلف من يتم أو من يقصر، فإن صليت خلف من يقصر، فإنك تتم الصلاة بعد سلامه.
وليس لك الجمع في عرفة ومزدلفة؛ لأن الجمع إما للسفر وإما للنسك، وأنت لست حاجا، ولا مسافرا سفرا يبيح الجمع، فتصلي كل صلاة في وقتها، فإن وجدتَ في وقت العصر من يصلي معك العصر فصل معه، وإلا صليت منفردا.
وتصلي المغرب في عرفة قبل ذهابك لمزدلفة، حتى لا يخرج عليك الوقت لزحام السير، وتصليها مع الموظفين أو غيرهم، إلا إذا لم تتمكن من صلاتها قبل الدفع من عرفة بسبب ضيق الوقت ، فإنك تجمعها مع العشاء جمع تأخير.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "هل لمن أتى منى وعرفة بغير إحرام أن يصلي كما يصلي المحرم؟
فأجاب: إن كان حاجا نعم، وإن كان غير حاج وهو من أهل مكة يصلي أربعا لا يقصر، أما إذا كان حاجا فالرسول صلى الله عليه وسلم حج وصلى بالناس، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام. قال بعض أهل العلم: من أجل النسك من أجل الحج، وقال بعضهم: لأن المسافة بين مكة إلى عرفات بعيدة، وأنها تسمى سفرا.
فعلى كل حال، إذا قصروا مع الناس وهم حجاج، وهم من سكان مكة: فلا حرج، وإن صلوا تماما، خروجا من الخلاف: فلا بأس، كله حسن إن شاء الله.
أما من ليس حاجا، فلا يصلي قصرا، بل يتم إذا كان من أهل مكة؛ لأنه ليس بعلة السفر ولا علة الحج" انتهى من "فتاوى ابن باز" (30/ 204).
والحاصل:
إذا كان بينك وبين هذه المشاعر مسافة قصر فإنك تقصر وتجمع مع الناس ، وإذا كان بينك وبينها أقل من مسافة القصر، فإنك لا تقصر ولا تجمع ، غير أن الجمع أخف حكما، فإذا كنت مشغولا ويشق عليك الصلاة في وقتها جاز لك الجمع .
والله أعلم.