أولا:
الوصية بالحج عن المتوفى فيها تفصيل:
1-فإن كان قد حج حجة الفريضة، فهذه وصية بحجة نافلة، فتتقيّد الوصية بالثلث إلا أن يجيز الورثة ما زاد على الثلث.
2-وإن كان لم يحج حجة الفريضة، فهذا دين عليه، ويجب أن يُخرج من تركته ما يحج به عنه، ولو استوعب التركة كلها؛ لأن الدين مقدم على الإرث والوصية، سواء كان دينا لله كالحج والكفارات، أو كان دينا لآدمي؛ لقوله تعالى في قسمة المواريث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 201) " الدين مقدم على الوصية، وبعده الوصية، ثم الميراث، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء " انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره (5/61) " ولا ميراث إلا بعد أداء الدين والوصية، فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعينات، ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره، ثم الديون على مراتبها، ثم يخرج من الثلث الوصايا، وما كان في معناها، على مراتبها أيضاً، ويكون الباقي ميراثاً بين الورثة " انتهى.
وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/ 84): " (ويجب أن يسارع في قضاء دينه، وما فيه إبراء ذمته؛ من إخراج كفارة، وحج، ونذر، وغير ذلك)، كزكاة، ورد أمانة، وغصب، وعارية؛ لما روى الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه، عن أبي هريرة مرفوعاً: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) " انتهى.
فإذا كان المتوفى لم يحج، فالواجب على ورثته أن يقيموا من يحج عنه من ماله، وهذا مقدم على تقسيم التركة، ولا يحل لهم الانتفاع بالمال إلا ما زاد عن الحج وسائر ديونه إن وجدت.
وإن كان قد حج، وجب إنفاذ وصيته في حدود ثلث تركته، إلا أن يسمحوا بالزيادة على ذلك.
وينظر جواب السؤال (486631)
ثانيا:
ما قمت به من إعطاء المال للورثة، وإبلاغهم بالوصية تصرف صحيح؛ لأن المال كان وديعة عندك، والوديعة تنفسخ بموت المودع، فيرد المال إلى الورثة، ويقومون بالواجب من أداء الدين والوصية.
قال في "مغني المحتاج" (4/ 128): " (وترتفع) الوديعة، أي ينتهي حكمها، (بموت المودِع) بكسر الدال، (أو المودَع) بفتحها" انتهى.
وقال ابن رجب رحمه الله في "القواعد" (2/ 377): "ونص أحمد في رواية حنبل، فيمن بيده وديعة وصى بها لمعين: أن المودَع يدفعها إلى الموصَى له، والورثة.
قيل له: فإن دفعها إلى الموصى له، يضمن؟ قال: أخاف.
قيل له: فيعطيه القاضي؟ قال: لا، ولكن يدفعه إليهم.
ونص في "رواية مُهنَّأ" على ضمانه بالدفع إلى الموصى له، وهذا محمول على أن الوصية لم تثبت ظاهرًا" انتهى.
وقال في (3/ 390): " وقد نص أحمد في "رواية مهنأ" فيمن عنده وديعة وصى بها ربها لرجل ثم مات، أن المودَع لا يدفعها إلى الموصى له، فإن فعل؛ ضمن، ولكن يجمع الورثة والموصى له، فإن أجازوا، وإلا، دفعه إليهم جميعًا.
ولعل هذا فيما إذا لم تثبت الوصية في الظاهر [أي ليس معه بينة بالوصية]، وإنما المودَع يدعي ذلك، أو أنها لا تخرج من الثلث [أي هي أكثر من الثلث]، وكذلك قال: فإن أجازوا يعني الورثة، وإلا.
فالعين الموصى بها إذا خرجت من الثلث، لا حق فيها للورثة، ولا تنتقل إليهم بكل حال، على الصحيح" انتهى.
والغالب هنا أن الوصية تتجاوز ثلث التركة، هذا إذا كان الميت قد حج، وإلا كان الحج دينا كما تقدم.
وينبغي أن تبين لهم الفرق بين الوصية وبين الدين إذا كان لم يحج، فإن لم يحجوا عنه، أو لم ينفذوا وصيته أثموا بذلك.
والله أعلم.