أولا:
ما قمت به من استقدام والدتك، وما تقوم به من النفقة عليها: إحسان منك يرجى لك به أعظم الأجر من رب العالمين.
وحيث كان للأم مال، ولو في أرض يمكنها الاستغناء عنها، فإن نفقتها في مالها، ولا يلزم أحدا أن ينفق عليها.
ثانيا:
يلزم الأم -كالأب- أن تعدل بين أولادها في الهبة والعطية؛ لما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ) قَالَ لَا قَالَ: (فَارْجِعْهُ). ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
فلا يجوز لوالدتك أن تخصك بشيء، ولا أن تبيع لك بمحاباة ظاهرة؛ لأن هذا من التفضيل في الهبة، ما لم يكن ذلك برضى بقية أولادها.
فإذا رضي إخوتك جميعا بهذا التفضيل، فلا حرج حينئذ.
وإذا لم يرضَوا، أو رأيت ألا تعرض الأمر عليهم، فليس لوالدتك أن تخصك بشيء، ولا أن تبيعك بمحاباة في الثمن.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/ 389): " والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم).
ولأنها أحد الوالدين، فمنعت التفضيلَ؛ كالأب.
ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده، من الحسد والعداوة، يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها، فثبت لها مثلُ حكمه في ذلك " انتهى.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " أنا رجل قدر الله عليّ بمرض في رجلي اليمنى، إلى أن قرر الأطباء بترها، مما جعلني عاجزًا عن العمل، وأنا أعول أسرة كبيرة، ولي إخوة ثلاثة، ولكن أبي قد باع مزارعه على إخوتي الثلاثة، ولعجزي عن شراء شيء منها؛ فلم أحصل على شيء؛ فهل فعل والدي هذا صحيح؛ أم أنه يحق لي المطالبة بحقي بدون شراء ولا بيع؟
فأجاب: إذا كان قد باع هذه المزارع على إخوتك بيعًا صحيحًا، ليس فيه احتيال ولا تَلْجِئَة، وإنما باعها عليهم كما يبيعها على غيرهم بثمن كامل، ولم يترك لهم شيئًا منه، بل استوفى الثمن منهم؛ فلا حرج عليه في ذلك، وليس لك حق الاعتراض؛ لأن هذا ليس فيه محاباة، وليس فيه تخصيص لهم بشيء من المال دونك.
أما إذا كان خلاف ذلك؛ بأن كان بيع حيلة، قد تسامح معهم فيه، وحاباهم به؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه جور، ويجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في الهبة والعطية، ولا يجوز له أن يخص بعضهم دون الآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فواجب على الوالد أن يسوي بين أولاده فيما يمنحه لهم، ولا يجوز له أن يفضل بعضهم على بعض." انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (2/ 594).
ثالثا:
يجوز أن تبيع الأم أرضها وشقتها، وتشاركك في تملك منزل كبير، فتملك منه بقدر ما شاركت، فيكون لها النصف أو الثلث أو الربع بحسب مشاركتها، فيتحقق لك ما تريد من السعة، ولا تقع والدتك في محذور.
رابعا:
لا حرج أن تهب والدتك لزوجتك من مالها ما شاءت، إذا لم يكن ذلك حيلة لتصير الهبة لك.
فإذا كانت الزوجة ستحتفظ بالهبة لنفسها، كما هو الأصل، فلا حرج في هبة الوالدة لها.
والله أعلم.