أولا:
الأصل وجوب الوضوء للصلاة، وأنه لا يعدل عن الوضوء إلى التيمم إلا لعذر، كعدم وجود الماء، أو خوف الضرر باستعماله.
ومما ذكره الفقهاء من الأعذار: كون المرأة تخاف من الفساق لو ذهبت تطلب الماء.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/ 164): " (أو خافت امرأة) بطلب الماء (فساقا) يفجرون بها، فتتيمم، (بل يحرم عليها الخروج في طلبه) إذن؛ لأنها تعرض نفسها للفساد" انتهى.
وأما خشية انكشاف وجهها، فلم يذكروه عذرا.
ثم إنه يمكن أن تتعاون النساء في ذلك، فيسترن من تريد الوضوء بستارة أو نحوها، أو أن تتوارى المرأة خلف حافلة، أو خلف بناء لتتوضأ، أو تأخذ معها ماء نظيفا، فتتوضأ به في دورة المياه.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " امرأة تريد الوضوء ولكنها لم تجد مكانًا مستورًا عن الرجال الأجانب، فهل يجوز لها التيمم في هذه الحالة؟
فأجاب: هذا محل نظر، والغالب أنها بإمكانها أن تجد مكانًا في بيتها أو في بيت إخوانها في الله، ولا ينبغي لها التساهل في هذا الأمر، بل يجب عليها أن تسعى في وجود محل للوضوء أو قضاء الحاجة، في بيت إخوانها أو بيوت إخوانها من المسلمين، أو في بيتها هي ولو تأخرت إلى آخر الوقت لا تجعله في أول الوقت، عليها أن تجتهد في وجود المكان الذي يمكنها أن تتوضأ فيه، والغالب أنها تجد" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (5/ 131).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " هل يجوز للمرأة استخدام رخصة التيمم أو الجمع بين الصلوات في بعض الحالات التي تتواجد فيها في مكان يوجد فيه ماء ولكنه ليس في بيتها، ويوجد في ذلكم المكان رجال، ويتعذر عليها الوضوء لكل صلاة لكونها مريضة ولا تستطيع الاحتفاظ بالوضوء؟
فأجاب: الوضوء مع وجود الماء واجب، ولا تصح الصلاة بدونه، وهذه المرأة عليها أن تعمل الاحتياط لها، بأن تُوجِدَ مكانا للوضوء تستتر به عن الرجال، أو تطلب ممن يعمل لها مكانا يسترها ولو مؤقتا، فيجب عليها إما أن تتوضأ في بيتها، وإما أن تحاول إيجاد المكان المستور ولو بساتر مؤقت تتوضأ فيه، أو تطلب من النساء الموجودات معها أن تسترها وقت الوضوء بثوب تمده حولها تسترها به، المهم لا بد من الوضوء مهما أمكن ذلك، فإذا لم يمكن ذلك فإنها تتوضأ إذا ذهبت إلى بيتها، تتوضأ وتؤخر الصلاة عن أول وقتها، تؤخرها عن أول وقتها، فإذا ذهبت إلى بيتها ولو في آخر الوقت فإنها تتوضأ وتصلي، أما التيمم فإنه لا يجوز مع وجود الماء، وهي قريبة من بيتها وقادرة على الوضوء وعمل الستر. فهذا لا يبيح لها التيمم، الله جل وعلا يقول وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43، المائدة: 6]، فرتب التيمم على عدم وجود الماء، فإذا وجد الماء، وتمكن من استعماله لم يَجُزْ له التيمم، وهذه واجدة للماء ويمكنها استعماله إذا بذلت الأسباب لذلك" انتهى
ثانيا:
إذا كانت الصلاة يمكن جمعها جمع تأخير أو تقديم، بحيث تصلى بعد الوصول، أو تصلى قبل السفر، فإن المرأة تجمع ولا تعرض نفسها للحرج.
أما جمعها أثناء السفر فلا إشكال فيه؛ لورود السنة الصحيحة بالجمع، وإليه ذهب جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/ 200): " الجمع بين الصلاتين في السفر، في وقت إحداهما، جائز في قول أكثر أهل العلم.
وممن روي عنه ذلك: سعيد بن زيد، وسعد، وأسامة، ومعاذ بن جبل، وأبو موسى، وابن عباس، وابن عمر. وبه قال طاوس، ومجاهد، وعكرمة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر.
وروي عن سليمان بن أخي زريق بن حكيم، قال: مر بنا نائلة بن ربيعة، وأبو الزناد، ومحمد بن المنكدر، وصفوان بن سليم، وأشياخ من أهل المدينة، فأتيناهم في منزلهم، وقد أخذوا في الرحيل، فصلوا الظهر والعصر جميعا حين زالت الشمس، ثم أتينا المسجد، فإذا زريق بن حكيم يصلي للناس الظهر.
وقال الحسن، وابن سيرين، وأصحاب الرأي: لا يجوز الجمع إلا في يوم عرفة بعرفة، وليلة مزدلفة بها، وهذا رواية ابن القاسم عن مالك واختياره، واحتجوا بأن المواقيت تثبت بالتواتر، فلا يجوز تركها بخبر واحد.
ولنا، ما روى نافع عن ابن عمر، أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء، ويقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به السير جمع بينهما.
وعن أنس، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، وإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل، صلى الظهر ثم ركب . متفق عليهما.
ولمسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق
وروى الجمع معاذ بن جبل، وابن عباس، وسنذكر أحاديثهما فيما بعد.
وقولهم: لا نترك الأخبار المتواترة.
قلنا: لا نتركها، وإنما نخصصها، وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالإجماع، وقد جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بالإجماع، فتخصيص السنة بالسنة أولى، وهذا ظاهر جدا" انتهى.
وأما الجمع في الحضر قبل بدء السفر، كما لو كان سفرها بعد الظهر، فتجمع الظهر والعصر دون قصر، فهذا الجمع جائز أيضا لرفع الحرج والمشقة؛ لما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
أي لا يدخل عليهم الحرج والمشقة.
قال النووي رحمه الله: "وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة، لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير، من أصحاب الشافعي، عن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث. واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره" انتهى من "شرح النووي على مسلم" (5/ 219).
فإن كانت الصلاة مما لا تجمع إلى غيرها، كصلاة الصبح، فإنها تتوضأ، وتتستر ما استطاعت، ولا تتيمم؛ لعدم وجود عذر يبيح التيمم.
والحاصل: أن كون المرأة لا تجد مكانا خاصا للوضوء، ليس عذرا لإباحة التيمم ما دام الماء موجودا ولا يضرها استعماله.
والله أعلم.