هذا الخبر أقلُّ أحواله أنه حسن، وعلى فرض ضعف إسناده، فإن معناه صحيح غير مستنكر.
هل صح حديث: ( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ )؟
السؤال: 579320
علمهم في سبعة وأضربهم في عشرة سنوات، هل هذا حديث صحيح؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
هذا الحديث وارد في أمر الصلاة.
رواه الإمام أحمد في "المسند" (24 / 56)، وأبو داود (494)، والترمذي (407)، وابن خزيمة في "الصحيح" (2 / 102)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3 / 263)، وغيرهم: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ.
وقال الترمذي: " حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ " انتهى.
وفي بعض نسخ السنن، ونقله جمع من أهل العلم: أن الترمذي قال فيه" حسن صحيح".
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" أحاديث: ( مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ على تركها لِعَشْرِ ).
وقد رُويت من وجوه متعددة، أجودها: من حديث سبرة بن معبد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم ...
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود – وهذا لفظه – والترمذي، وقال: حسن صحيح . وابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم، وقال: على شرط مسلم." انتهى. "فتح الباري" (8 / 20).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وأما ما رواه أبو داود، والترمذي وصححه، وكذا ابن خزيمة، والحاكم من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده مرفوعا: ( عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ … ) " انتهى. "فتح الباري" (2 / 345).
والتصحيح هو الذي حكم به الطوسي على الحديث في مستخرجه على الترمذي، حيث قال رحمه الله تعالى:
" حديث سبرة حديث حسن صحيح " انتهى. "مختصر الأحكام - مستخرج الطوسي على جامع الترمذي" (2 / 354).
وعادة الطوسي أن يحكم على الأحاديث بنفس حكم الإمام الترمذي.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومن تصانيفه [أي الطوسي] كتابه الذي سمّاه "الأحكام".
قال لي شيخنا أبو الفضل العراقي: أحاديثه أحاديث "جامع الترمذي"، وأبوابه أبوابه، وكلامه على الأحاديث كلامه، وربما شاركه في شيوخه، وكأنه مستخرج عليه.
قلت: وقفت على الكتاب المذكور، وهو كما قال شيخنا … "انتهى. "لسان الميزان" (3 / 87).
وتتابع عدد من أهل العلم على تصحيحه.
ورواه البيهقي في "الخلافيات" (2 / 241)، وقال عقبه:
" وإسناده صحيح؛ فقد احتجّ مسلم بعبد الملك بن الرّبيع بن سبرة بن معبد الجهنيّ وأبيه وجدّه، وروى لهم في الصّحيح " انتهى.
لكن تُعقب بأن عبد الملك إنما اخرج له الإمام مسلم في الشواهد ولم يحتج به، وبأن ابن معين ضعّفه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه.
صدوق إن شاء الله.
ضعفه يحيى بن معين فقط، وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عن أحاديثه عن أبيه عن جده، فقال: ضعاف.
وقال ابن القطان: وإن كان مسلم قد أخرج لعبد الملك، فغير محتج به " انتهى. "ميزان الاعتدال" (2 / 570).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" قلت: وفيما قالاه نظر، فإن عبد الملك هذا إنما أخرج له مسلم (4/132 ـ 133)، حديثا واحدا في المتعة، متابعة، كما ذكر الحافظ وغيره.
وقد قال فيه الذهبي: " صدوق إن شاء الله ، ضعفه ابن معين فقط ".
فهو حسن الحديث إذا لم يخالف، ويرتقى حديثه هذا إلى درجة الصحة بشاهده الذى قبله " انتهى. "إرواء الغليل" (1 / 267).
وعلى القول بضعف عبد الملك هذا، فهو لم يبلغ درجة أن يُطَّرح حديثه، فإذا وجد ما يشهد له قوي، وقد وجد ما يشهد له وهو حديث عبد الله بن عمرو.
رواه الإمام أحمد في "المسند" (11 / 369) و (11 / 284)، وأبو داود (495)، وابن أبي شيبة (3 / 263)، وغيرهم، من طرق: عَنْ سَوَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو حَمْزَةَ الْمُزَنِيُّ الصَّيْرَفِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ.
وفي إسناده سوار بن داود وقد ضعِّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" ضعف، وهو أبو حمزة صاحب الحلى. بصري، روى عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده حديث: ( مروهم بالصلاة لسبع ).
وبالسند: ( إذا زوج أحدكم أمته فلا يرين عورتها ).
وثقه ابن معين: وقال أحمد: لا بأس به ...
قال الدارقطني: لا يتابع على أحاديثه، يعتبر به " انتهى. "ميزان الاعتدال" (2 / 227).
فسوار وإن ضعِّف، إلا أنه لم يبلغ درجة الطرح والترك.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" ولينه العقيلي، وغيره، ولم يُتْرَك " انتهى. "تاريخ الإسلام" (4 / 261).
وقد قوّى أمره الإمام أحمد بصيغة يفهم من مضمونها قوّة هذا الحديث وقبوله له، وأخبر أن أهل الحديث بالبصرة وهم أهل بلده يوثقونه.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى: "حدثنا محمد بن حمويه بن الحسن، قال سمعت أبا طالب، قال سألت أحمد - يعني ابن حنبل - عن سوَار صاحب الحُلَى الّذي يروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( عَلِّمُوا أَوْلادَكُمُ الصلوة)، فقال: شيخ بصريٌ لا بأس به، روى عنه وَكيع وقلب اسمه وهو شيخ يوثّقونه بالبصرة لم يرو عنه غير هذا الحديث " انتهى. "الجرح والتعديل" (4 / 272).
والحاصل: أن هذا الحديث يتقوّى بالحديث السابق، ولذا ذهب غالب أهل العلم وأئمتهم، على مختلف المذاهب: إلى قبول هذا الخبر إما بالنص على صحته أو حسنه كما سبق، وإما بالاحتجاج به وعدم الطعن في إسناده.
ثانيا:
ممن احتج بالحديث: الإمام أحمد في عدة مواضع، ومن ذلك:
قال الخلال رحمه الله تعالى:
" أخبرنا عبد الله، قَالَ: سألت أبي عن رجل عنده أمة نصرانية وعبد نصراني، ولهما ولد ابن لسبع سنين، وقد أسلم؟ قَالَ: يجبر على الإسلام، ويؤمر بالصلاة، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ( مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ ) " انتهى. "أحكام أهل الملل والردة" (ص40).
وقال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" وقالت طائفة بهذا الخبر، وممن قال به مكحول، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق. وكذلك نقول " انتهى. "الأوسط" (4 / 447).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" كما قال صلى الله عليه وسلم: ( مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ).
ولهذا قال الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما: يجب على كافل الصبي أن يأمره بالطهارة والصلاة لسبع" انتهى. "درء تعارض العقل والنقل" (8 / 13).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (10 / 22):
" ويؤدب على ترك الطهارة والصلاة وكذا الصوم، وينهى عن شرب الخمر، ليألف الخير ويترك الشر، ويؤمر بالغسل إذا جامع، ويؤمر بجميع المأمورات، وينهى عن جميع المنهيات، ويكون التأديب بالضرب والوعيد، والتعنيف بالقول.، وهذا التأديب واجب على الولي باتفاق الفقهاء للحديث المتقدم. وهو في حق الصبي لتمرينه على الصلاة ونحوها ليألفها ويعتادها ولا يتركها عند البلوغ، ولا تجب عليه الصلاة عند جمهور الفقهاء لخبر: ( رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلَاثَةٍ:. . . [ ذكر منهم ] وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ) " انتهى.
فأهل العلم على العمل بهذا الخبر، وإن اختلفوا هل هو على سبيل الندب أو الوجوب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" فلم يقل بظاهره إلا بعض أهل العلم، قالوا: تجب الصلاة على الصبي، للأمر بضربه على تركها، وهذه صفة الوجوب، وبه قال أحمد في رواية، وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه، وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ، وقالوا: الأمر بضربه للتدريب...." انتهى. "فتح الباري" (2 / 345).
وابن القطان الفاسي تكلم في إسناد هذا الحديث، قال رحمه الله تعالى عن حديث سبرة:
" وهو من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده، وقد قال ابن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده، فقال: ضعاف.
وليس هذا مني تمسكا في تضعيفه بعموم قول ابن معين، الذي أبيت منه الآن، ولكنه تأنُّس فيمن لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم قد أخرج لعبد الملك المذكور، فغير محتج به، وعسى أن يكون الحديث حسنا لا ضعيفا " انتهى. "بيان الوهم والإيهام" (4 / 138).
ومع ذلك، فقد قال بموجبه:
" غير المكلفين من الذكور، لا يكلفون بتحريم انكشاف ولا غيره: ولكن من الصبيان من يعقل، أو من هو مراهق للبلوغ، فينبغي أن يؤدبوا عن الانكشاف، ويؤمروا بالستر، حتى يتدرّبوا عليه، ويجدوا أنفسهم آخذة به أوان التكليف، فقد حُمِلوا على الصلاة لسبع، وضُربوا عليها لعشر، وَفُرّق بينهم في المضاجع " انتهى. "إحكام النظر" (ص160).
ثالثا:
المقصود من هذا الضرب: التأديب والتربية، لا الألم والعذاب، فيؤدب عند الحاجة إذا لم ينفع الكلام والتعنيف، بأخف ضرب يحقق المقصود والمصلحة له.
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم: (127233).
الخلاصة:
الراجح أن هذا الخبر أقلُّ أحواله أنه حسن.
وعلى فرض ضعف إسناده، فإن معناه صحيح غير مستنكر.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والحديث الضعيف لا يُدفع، وإن لم يحتج به؛ ورب حديث ضعيف الإسناد، صحيح المعنى " انتهى. "التمهيد" (1 / 58).
فتعليم الصبي ما يجب على المسلم فعله وخاصة الصلاة، وما يحرم عليه، وتأديبه على ذلك، لا يستنكر بل هو سبيل المؤمنين الذي جرى عليه العمل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" بل الفقهاء متفقون على أن العقوبات التي فيها إتلاف، كالقتل والقطع، لا تكون إلا لبالغ …
فأما التعزير بالضرب ونحوه فلم يرفع عن المميز من الصبيان.
بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ )، فأمر بضربهم على ترك الواجب الشرعي الذي هو الصلاة، فضربهم على الكذب والظلم أولى.
وهذا مما لا يُعلم بين العلماء فيه نزاع: أن الصبي يؤذى على ما يفعله من القبائح وما يتركه من الأمور التي يحتاج إليها في مصلحته" انتهى. "درء تعارض العقل والنقل" (9 / 64).
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟