أولاً: الأصل في دعاء الله عز وجل، بما فيه خير الدنيا والآخرة: الإباحة؛ ما دام أنه لم يشتمل على ما يخالف الشرع.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/203-204) :
" باب الأدعية واسع ، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه .
أما الأدعية والأذكار المأثورة : فالأصل فيها التوقيف من جهة الصيغة والعدد ، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك ، ويحافظ عليه ، فلا يزيد في العدد المحدد ، ولا في الصيغة ، ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه " انتهى .
وفيها أيضا (24/275) :
" الأدعية الواردة في الكتاب والسنة: هي التي يشرع التزامها والعناية بها وحفظها ونشرها، أما غيرها من الأدعية التي ينشئها سائر الناس فليست كذلك ؛ لأن أحسن أحوالها كونها مباحة ، وقد تحتوي على عبارات موهمة ، أو غير صحيحة " انتهى باختصار .
انظر: فتوى: (102600).
ثانياً:
الرد الصحيح على كلمة "بارك الله فيك" يكون بأحد أمرين: أن تدعو له بمثل دعائه أو بأفضل منه، كما أرشد إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ) [النساء/ 84]، وله أن يضيف قبلها (آمين)؛ فيقول: آمين، وفيك بارك الله، أو آمين ولك بالمثل.. الأمر في ذلك واسع. وليس هناك نص توقيفي لا نتجاوزه.
وفي ذلك أصل في عمل الصحابة أن يرد على الدعاء بالدعاء، مثل "وفيك بارك الله"، ونحو ذلك مما يناسب المقام.
ثالثاً: أصل الرد في السنة وعمل الصحابة:
عن أنس رضي الله عنه قال: قالت المهاجرون: يا رسول الله، ذهبت الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوماً أحسن بذْلاً لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة؟ قال: أليس تثنون عليهم به، وتدعون الله لهم؟ قالوا: بلى قال: فذاك بذاك. وعند الترمذي "لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". رواه الترمذي (2487)، والنسائي (9938)، وصححه الترمذي الألباني.
ففي هذا الحديث عموم الدعاء والثناء، بغير نص توقيفي.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لو قال لي فرعون: بارك الله فيك، قلت: وفيك، وفرعون قد مات". رواه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 381)، وصححه الألباني (1113).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ، قَالَ: أَقْسِمِيهَا، قَالَ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا رَجَعَ الْخَادِمُ قَالَتْ: مَا قَالُوا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ، قَالَ: فَتَقُولُ عَائِشَةُ: وَفِيهِمْ بَارَكَ اللَّهُ، فَزِدْ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَالُوا، وَبَقِيَ أَجْرُنَا لَنَا" رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص: 244)، وقال الألباني: "إسناده جيد" تخريج الكلم الطيب (ص: 175).
رابعاً: يجوز الرد بقولك: عليك بركة الله.
لأن الدعاء هنا ليس توقيفيا تعبدياً لا يجوز أن نتجاوزه؛ بل هو لرد من يدعو لك بما هو مثله أو أفضل.
وبركة الله تعالى هي من فيضه وعطائه، وليست مضافة إلى الله على جهة الاستقلال عنه، بل هي منزّلة منه سبحانه وتعالى.
فهي نظير "رحمة الله" في قولنا: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"؛ إذ المقصود بها الدعاء بأن تنزل الرحمة من الله على المخاطَب، فكذلك الدعاء بأن تحلّ بركة الله على شخص بقولك (عليك بركة الله) فهو جائز؛ لأن الداعي يعتقد أنها من عند الله، لا من غيره تعالى.
ولأن قوله: "وفيك بركة الله": إنما هي على جهة الدعاء، وليس على جهة الخبر. ولا فرق في ذلك بين أن يقول: "وفيك بارك الله"، أو "وفيك بركة الله"؛ فكلاهما دعاء صحيح المعنى، لغة، وشرعا.
والله أعلم.