أولا:
المسح على الجوربين ثابت عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، وقد نقلنا في جواب السؤال رقم: (228222) أسماء ثلاثة عشر صحابيا روي عنهم المسح على الجوربين كما قال ابن المنذر وابن القيم، ومما جاء في ذلك:
1 - روى ابن أبي شيبة في مصنفه (1974) أَنَّ عُمَرَ، تَوَضَّأَ يَوْمَ جُمْعَةٍ، وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ
2 - وروى (1972) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ مِنْ شَعْرٍ
3 - وروى (1971) عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ، كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ
4 - وروى (1978) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ
5 - وروى (1979) عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ
6 - وروى عبد الرزاق في مصنفه (782) عن ابْنَ عُمَرَ قال: "الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ".
7 - وروى عن أنس وأبي مسعود أنهما كانا يمسحان على الجوربين.
فلا شك في جواز المسح الجوربين.
ثانيا:
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين؟
اختلف العلماء في ذلك، بناءً على الخلاف في صحة الحديث الذي رواه الترمذي (92) عنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ.
والحديث ضعفه أكثر أهل العلم، كما بينا في جواب السؤال رقم:(228222).
وصححه بعضهم كالترمذي، وابن حبان (1338) وابن التركماني في "الجوهر النقي" (1/ 284)، والألباني في "صحيح الترمذي"، وأحمد شاكر في "تعليقه على سنن الترمذي" (1/ 168).
ثالثا:
جاء في السنة الصحيحة ما يدل على جواز المسح على الجوربين، وإن لم يثبت التصريح بلفظ الجوربين.
روى أحمد (22383)، وأبو داود (146) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا إِلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَرْدِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ " وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط.
والعصائب: هي العمائم، والتساخينُ: كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما، ولا واحد لها من لفظها.
رابعا:
من أهل العلم من قال: لا فرق بين الجورب والخف من حيث المعنى، وأن الجورب يعتبر خفا، لكنه من صوف أو قطن.
روى الدولابي في "الأسماء والكنى" 1/ 181 من طريق أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي، أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان، حدثنا الأزرق بن قيس قال: رأيت أنس بن مالك أحدث، فغسل وجهه ويديه، ومسح على جوربين من صوف. فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خُفان، ولكن من صوف.
قال الشيخ أحمد شاكر في تقديمه لرسالة القاسمي "المسح على الجوربين" ص (13): "وهذا إسناد صحيح".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ: إنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ، وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا، أَوْ قُطْنًا، أَوْ كَتَّانًا، أَوْ صُوفًا.
كَمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ...
وَغَايَتُهُ: أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنْ الصُّوفِ: فَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ، كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا...
وَأَيْضًا: فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا، كَالْحَاجَةِ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا، سَوَاءٌ؛ وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ، وَالْحَاجَةِ: يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ، وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ، الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ.
وَمَنْ فَرَّقَ بِكَوْنِ هَذَا يَنْفُذُ الْمَاءُ مِنْهُ، وَهَذَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ: فَقَدْ ذَكَرَ فَرْقًا طَرْدِيًّا عَدِيمَ التَّأْثِيرِ". انتهى من "مجموع الفتاوى.(21/214)"
والحاصل:
أن المسح على الجوربين ثابت في السنة من حديث ثوبان، ومن حديث المغيرة عند من صححه، وهو ثابت عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم؛ لا يعلم لهم مخالف منهم في ذلك.
وأكثر القائلين بالمسح على الجوربين اشترطوا أن يكون الجورب صفيقا، يمكن المشي فيه، فلا يصح المسح على الجورب الرقيق ولا الشفاف.
قال النووي، بعد ذكر خلاف الأصحاب، في المسح على الجورب، وما يشترط فيه:
" والصحيح، بل الصواب: ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين: أنه إن أمكن متابعة المشي عليه: جاز؛ كيف كان. وإلا؛ فلا.
وهكذا نقله الفوراني في الإبانة عن الأصحاب أجمعين، فقال: قال أصحابنا إن أمكن متابعة المشى على الجوربين جاز المسح عليهما وإلا فلا والجورب بفتح الجيم والله أعلم" انتهى، من "المجموع شرح المهذب" (1/ 499 ط المنيرية).
والمسح على الجوربين ، من حيث الأصل، على اختلاف بين الفقهاء في شروطه، وتفاصيل ذلك: هو " اختيار أبي يوسف ومحمد من الحنفية. ويقال: إنه رجع إليه أبو حنيفة في مرضه، وهو أرجح القولين في مذهب الشافعي، وهو مذهب الحنابلة" انتهى من "موسوعة أحكام الطهارة"، لأبي عمر الدبيان (5/ 53).
والله أعلم.