الأصل أن قطع النية مبطل للعمل سوى الحج والعمرة.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وإن تلبس بها –أي بالصلاة- بنية صحيحة، ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت. وبهذا قال الشافعي " انتهى من "المغني" (2/ 133).
وهذا في حالة الشخص السوي في تصرفاته وأفعاله.
أما الموسوس فقد اعتبر له الفقهاء أحكاما خاصة على ما سيأتي بيانه.
ثانياً:
الوسواس درجات، والذي يظهر من واقعة السؤال أنّ صاحبة المشكلة تعاني من وسواس قهري، ومن بلغ به الوسواس هذا الحد، فإنه مستثنى من كثير من الأحكام لما لحق به من حالة مرضية، بحيث يكون كالملجأ إلى كثير من تصرفاته.
والشريعة جاءت برفع الحرج؛ وإذا كان الموسوس قد أغلق عليه "فهمه" أو "قصده": فإنه لا يترتب على ما قاله أو فعله في هذا الإغلاق، شيء من آثاره.
وقد بوب البخاري رحمه الله بقوله
«- بَاب: الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ، وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وأمرهما، والغلظ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ.
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امرئ ما نوى).
وَتَلَا الشَّعْبِيُّ: لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا /البقرة: 286/.
وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ»
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ. انتهى "صحيح البخاري" (5/ 2018 ت البغا).
قال الشافعي رحمه الله:
"ومن غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية: لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود.
وذلك مثل: المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله، ما كان مغلوبا على عقله" انتهى من "الأم" للإمام الشافعي (5/ 270).
وقال الجويني رحمه الله:
«لو تردد المصلّي في الخروج، والاستمرار على الصلاة، بطلت صلاته بالتردد، كما تبطل بجزم قصد الخروج. ولم نر في هذا خلافاً...،
ثم من الأسرار التي يتعين الوقوف عليها: أن الموَسوس قد يجري في نفسه التردّد، وليس هو التردد الذي حكمنا بكونه قاطعاً مبطلاً، ولكن الإنسان قد يصور في نفسه تقدير التردد، لو كان كيف كان يكون، وذلك من الفكر والهواجس. ولو أبطل الصلاة، لما سلِمت صلاةُ مفكر موسوس" انتهى من "نهاية المطلب في دراية المذهب" (2/ 121).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (14/ 233):
"الموسوس: هو من يشك في العبادة، ويكثر منه الشك فيها حتى يشك أنه لم يفعل الشيء وهو قد فعله.
والشك في الأصل: موجب للعود لما شك في تركه، كمن رفع رأسه، وشك، هل ركع أم لا؛ فإن عليه الركوع؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه، وليبن على اليقين.
ومن شك أنه صلى ثلاثا أو أربعا: جعلها ثلاثا، وأتى بواحدة، ويسجد للسهو.
لكن إن كان موسوسا: فلا يلتفت للوسواس، لأنه يقع في الحرج، والحرج منفي في الشريعة، بل يمضي على ما غلب في نفسه. تخفيفا عنه وقطعا للوسواس» انتهى.
وجاء فيها (43/ 157):
"إن تكلم الموسوس بكلام يقتضي الردة: لم يكن في حقه ردة. صرح بذلك الحنفية، يعنون المغلوب في عقله" انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"أما بالنسبة للإنسان الموسوس: فهذا لا يقع طلاقه، ولو تلفظ بالطلاق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- يُبْتلى بالوسواس في أهله، فتجده يُطَلِّق زوجته غصباً عليه، حتى إنه لو فتش المصحف أو الكتاب ليقرأ قال له الشيطان: إنك قلتَ: إن فتشتُ الكتاب فامرأتي طالق، حتى إنه يوسوس إليه في كل شيء، وهذا لا يقع طلاقه حتى لو كتبه بيده ونطق به بلسانه.
دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) والإغلاق معناه: أنه يغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (130/ 26 بترقيم الشاملة).
وينصح بالاستفادة مما سبق نشره في الموقع عن الوسواس القهري ففيه فائدة كبيرة.
والله أعلم.