أولاً:
التعبير بالقول في مسألة خلافية بين الوجوب والاستحباب، بأنّ الإجماع منعقد على الاستحباب: فيه إشكال علمي واصطلاحي؛ وذلك أن الواجب غير المستحب، ويترتب على كل واحد منهما آثار عملية مختلفة عن الآخر.
انظر الفتوى: (180341) ففيها بيان لكل واحد منهما والفرق بينهما.
ولكن يمكن التعبير بأنّ هذا الأمر-محل الخلاف- مشروع بالإجماع، هكذا بإطلاق "المشروعية"، وهي شاملة للواجب والمستحب، بل وقد تطلق في بعض السياقات على المباح أيضا.
يقول أبو زرعة العراقي، رحمه الله: فلا يقال: شرع كذا وكذا، إلا في الواجب والمندوب فقط. انتهى، من "الغيث الهامع شرح جمع الجوامع" (ص173).
ويقول الدكتور عياض السلمي، وفقه الله: "والقسم الرابع [يعني: من الذرائع]: قد جاءت الشريعة بمشروعيته؛ إما على سبيل الوجوب أو الاستحباب؛ بحسب درجته في المصلحة، ولا خلاف فيه" انتهى، من "أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله" (ص212).
وقال تاج الدين بهرام، الدميري، في شرح "مختصر خليل":
"قوله: (وَتُشْرَعُ في غُسْلٍ … ) إلى آخره؛ إنما قال ذلك لأنها قد تكون واجبة، وقد تكون مباحة إلى غير ذلك، ولو قال: (تستحب)، لاقتضى لاستحباب في جميعها" انتهى، من "تحبير المختصر" (1/ 152).
وعلى ذلك، يصح أن يقال: إن هذا الأمر "مشروع"، أو "مطلوب شرعا"، وهذا يشمل ما إذا كان واجبا أو مستحبا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وسجود التلاوة في وجوبه نزاع؛ وإن كان مشروعا بالإجماع" انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/ 293).
وقال الزرقاني في بيان أحكام "التسمية": " (وتشرع) عبّر به ليشمل: ما تجب فيه، أو تسن، أو تندب؛ كما نبينه" انتهى، من "شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني" (1/ 132).
وقال الخرشي، بعد تفصيل أحكام التسمية على المسائل المذكورة في المختصر:
" وإنما قال: (وتشرع)؛ أي: وتطلب شرعا. ولم يقل: وتندب؛ ليشمل الواجب والمسنون والمستحب" انتهى، من "شرح الخرشي على مختصر خليل" (1/ 140).
ثانياً:
إذا أخطأ الشخص وعبر عن شيء مختلف فيه بين الوجوب والاستحباب، كالمسألة الواردة في السؤال—تغطية المرأة وجهها- بأنه مستحب بالإجماع:
فإن قاله لبيان أنه حتى الذين لا يقولون بالوجوب يرون أنه مستحب، وليس المراد تأصيل وتقرير المسألة شرعاً بحيث يختلط على المستمع حكمها، فالظاهر أن الأمر في هذا يسير، خاصة إذا جاء ذكر الخلاف في المسألة في معرض الحديث.
والأكمل لطالب العلم أن يستخدم المصطلحات والألفاظ غير الموهمة. فلو قال: تغطية الوجه أمر مشروع بالإجماع، وإنما الخلاف في وجوبه أو استحبابه، والراجح الوجوب، لكان أكمل وأفضل وأوضح.
وبكل حال؛ فنرجو أن تكون معذورا في هذا التعبير، وألا يلزمك شيء فيه، ولا إعادة إخبار الناس باللفظ الدقيق المناسب لذلك.
والله اعلم.