أولا:
إذا أسكن الأبُ أولاده في شقق مثلا، وقام الأولاد ببعض الإصلاحات والإضافات، ثم مات الأب، فالأصل أن يُضم المنزل إلى التركة، ويقسم على جميع الورثة، ولا يحق لأي ابن أن يحتفظ بما كان يسكن فيه؛ إلا إن رضي جميع الورثة بذلك، وكانوا بالغين راشدين.
قال في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (17/ 110): " (لا) تنعقد الهبة في الأرض بقول الأب لابنه: (ابْنِ) - فعل أمر من البناء- فيها دارًا، وبناها فيها، (مع قوله) أي الأب الذي أمر ابنه بالبناء: هذه (داره)؛ أي الابن الذي بناها.
فإذا مات الأب، فلا يختص الابن بالأرض، ويشاركه فيها الورثة، وللابن قيمة بنائه منقوضا" انتهى.
فعلى فرض أن الابن بنى على الأرض، وأن الأب قال: هذه دار الابن؛ فإن الابن لا يختص بالأرض، ويشاركه الورثة.
وذلك أن التركة تدخل في ملك الجميع على الشيوع، فيشتركون في كل جزء منها، فلا يختص أحدهم من التركة بشيء، ولو تساوت الشقق، إلا بالتراضي.
فإن حصل تنازع في الاختيار: أُجريت القرعة، والقرعة مشروعة عند التنازع ؛ لتمييز الحقوق.
قال العلامة السعدي رحمه الله:
تستعمل القرعة عند المبهمِ **** من الحقوق أو لدى التزاحمِ
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/ 459): " كيف تقسم الدور والمنقولات الموروثة؟ كالسيارات وآلة الحرفة ونحوهما عند التراضي وعند عدم التراضي بين الورثة؟
الجواب: تقسم بينهم حسب الميراث الشرعي بواسطة أهل الخبرة بالتقويم، وإن تراضوا بينهم في القسمة، وهم راشدون: فلا بأس، وإن تنازعوا فمرد النزاع المحكمة الشرعية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
ثانيا:
ما قام به الابن من الإصلاحات أو الإضافات بإذن الأب، أو بإذن الورثة بعد موت الأب، فهو ملك له، يعوّض عن قيمته في حال انتقال الشقة لغيره.
قال شُريح: (من بنى في أرض قوم بإذنهم: فله قيمة بنائه) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 494)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 91).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ، وَمِلْكًا، وَكَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ هَدَمَ بَعْضَ الْمِلْكِ، وَأَنْشَأَ، وَتَزَوَّجَ فِيهِ، وَرُزِقَ فِيهِ أَوْلَادًا، وَالْوَرَثَةُ بَطَّالُونَ، فَلَمَّا طَلَبُوا الْقِسْمَةَ قَصَدَ هَدْمَ الْبِنَاءِ؟
فَأَجَابَ:" أَمَّا الْعَرْصَةُ [وهي الأرض الخلاء] فَحَقُّهُمْ فِيهَا بَاقٍ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ: فَإِنْ كَانَ بَنَاهُ كُلَّهُ مِنْ مَالِهِ، دُونَ الْأَوَّلِ: فَلَهُ أَخْذُهُ [أي أخذ الطوب ونحوه]؛ وَلَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَعَادَهُ بِالْإِرْثِ الْأَوَّلِ، فَهِيَ لَهُمْ ". انتهى " مجموع الفتاوى" (30/ 50).
وعلى هذا، فينصح الأولاد أن يتراضوا على أن يبقى كلٌّ فيما سكن فيه، وأن تقوّم الشقق من جهة أهل الخبرة، وأن يدفع من أخذ النصيب الأعلى في قيمته، لمن أخذ الأقل في قيمته، حتى يحصل التساوي بين الأبناء الذكور، وأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن رفض بعض الورثة إقرار القسمة على ما كانت، فالسبيل هو تقويم الشقق، وتعديلها بالقيمة، بحيث يقال: من أخذ هذه الشقة دفع كذا، ومن أخذ هذه دُفع له كذا، ثم تجرى القرعة على الشقق فمن أصابه شيء أخذه، ودَفع أو دُفع له.
والله أعلم.