ما الفرق بين جنات تجري من تحتها الأنهار وجنات عدن؟

السؤال: 576953

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
ما هو الفرق بين جنات تجري من تحتها الأنهار وجنات عدن ؟ حيث إن الوعد الأول جنات تجري من تحتها الأنهار، والوعد الثاني مساكن طيبة في جنات عدن، هل هناك فرق؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا فرق بينهما؛ لأن (عدن) وصف للجنات كلها، وليست قسماً آخر غير جنات تجري من تحتها الأنهار؛ ومعنى (عدن): أي إقامة: أي يقيمون فيها لا يزولون عنها، ولا يسافرون منها ولا يغادرونها. ولا يتحول عنها أصحابها ولا ينقطع نعيمها؛ فهي خلود بلا زوال. انظر: "تفسير الطبري" (13/ 511)، (22/618) ، "التفسير الميسر" (1/252).

قال الله تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم/ 61] .

في "المفردات للراغب الأصفهاني" رحمه الله (ص: 444):

 "عدن : ( جَنَّات عَدْنٍ) أي استقرار وثبات، وعَدَنَ بمكانِ، كذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر ، وقال عليه الصلاة والسلام المعدِن جُبار" انتهى .

قال السعدي رحمه الله في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 861):

"وسميت الجنةُ جنةَ عدنٍ، لأن أهلها مُقيمون فيها، لا يخرجون منها أبدا، ولا يبغون عنها حولا؛ ذلك الثواب الجزيل، والأجر الجميل، الفوز العظيم، الذي لا فوز مثله، فهذا الثواب الأخروي" انتهى.

لذلك نرى أن بعض الآيات تصف جنات عدن بأنها تجري من تحتها الأنهار.

كقول الله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) [النحل/ 31].  أي: بساتين يقيمون فيها ولا يزولون عنها.

فيكون المراد من الآية المذكورة في السؤال:

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة/ 72].

أن الله وعد المؤمنين والمؤمنات جناتٍ أي: بساتين لها صفات، منها: أنها تجري من تحتها الأنهار، وفي هذه الجنات مساكن طيبة في بساتين يقيمون فيها لا يزولون عنها؛ فلا ظعن عنها ولا سفر ولا مغادرة.

في الآية الشبيهة بهذه الآية في سورة الصف، قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره (22/618): (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [الصف: 12] يَقُولُ: وَيُدْخِلْكُمْ بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً) يَقُولُ: وَيُدْخِلْكُمْ أَيْضًا مَسَاكِنَ طَيِّبَةً. (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) : يَعْنِي فِي بَسَاتِينَ إِقَامَةٍ، لَا ظَعْنَ عَنْهَا" انتهى.

وقال (11/ 559):

"وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهَا جَنَّاتُ عَدْنٍ؛ لِأَنَّهَا دَارُ اللَّهِ الَّتِي اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ، وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: عَدَنَ فُلَانٌ بِأَرْضِ كَذَا، إِذَا أَقَامَ بِهَا، وَخَلَدَ بِهَا. وَمِنْهُ: الْمَعْدِنُ، وَيُقَالُ: هُوَ فِي مَعْدِنِ صَدْقٍ" انتهى.

قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) [الكهف/ 107، 108].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (5/ 204):

"وقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا) أي: مقيمين ساكنين فيها، لا يظعنون عنها أبداً، (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) أي: لا يختارون غيرها، ولا يحبون سواها، كما قال الشاعر:

فحلت سويدا القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا عن حبها أتحول ...

وفي قوله: (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) تنبيه على رغبتهم فيها، وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائماً أنه يَسْأَمُه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولاً ولا انتقالاً ولا ظعناً ولا رحلة  ولا بدلاً" انتهى.

 والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android