هل في الجنة مساجد؟!

السؤال: 576418

الوعد ببناء مسجد في الجنة لمن بنى مسجدا في الدنيا. هل الصلاة لا تنقطع في الجنة. ماذا يستفيد المؤمن او اصحاب الجنة من وجود المساجد في الجنة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

لا خلاف بين العلماء في أن الجنة ليست دار تكليف، وإنما هي دار جزاء، فلا تكليف فيها بالصلاة قطعا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"والتكليف ‌إنما ‌ينقطع ‌بدخول ‌دار ‌الجزاء، وهي الجنة والنار" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/ 373).

قال ابن القيم: رحمه الله في بيان معنى قوله تعالى: (‌دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ ‌دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس/10.

"فالدعاء ها هنا: دعاء ثناء يلهمه أهل الجنة، فأخبر سبحانه عن أوله وآخره، فأوله تسبيح، وآخره حمد، يلهمونهما كما يلهم النفس.

وفي هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة تسقط عنهم، ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها" انتهى من "حادي الأرواح" (2/ 847).

جاء في "الموسوعة العقدية" (5/143):

"الجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، وقد يشكل على هذا ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة أول زمرة تدخل الجنة، قال في آخره: يسبحون الله بكرة وعشياً ـ

ولا إشكال في ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ لأن هذا ليس من باب التكليف، قال ابن حجر في شرحه للحديث: قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام! وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: يُلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس ـ

ووجه التشبيه: أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحاً، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره.

وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، قال: هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به" انتهى

ثانياً:

ليس في الجنة مساجد، ولعله تبادر إلى ذهنك أنّ المراد من حديث عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ، ِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، ‌بَنَى ‌اللَّهُ ‌لَهُ ‌مِثْلَهُ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ) رواه البخاري (439) ومسلم (533).

أن الله يبني له مسجدا في الجنة.

وليس الأمر كذلك، وإنّما المراد أن الله يبني له بيتاً في الجنة، والمثلية لا تعني المطابقة في كل شيء.

وقد اتفق العلماء وشراح الحديث على أنّ هذا الحديث لا يعني بناء مسجد في الجنة.

فالمماثلة إنما هي في أصل "البناء"، لا في خصوص كونه "مسجدا".

قال العيني رحمه الله:

"من بنى لله مسجدا ‌بنى ‌الله ‌له ‌مثله ‌في ‌الجنة، لم يرد مثله في كونه مسجدا، ولا في صفته، ولكنه قابل البنيان بالبنيان؛ أي: كما بَنَى، بُنِيَ له" "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (16/ 279):

وقال النووي رحمه الله:

"قوله (من بنى لله مسجدا ‌بنى ‌الله ‌له ‌مثله ‌في ‌الجنة) يحتمل مثله في القدر والمساحة، ولكنه أنفس منه بزيادات كثيرة، ويحتمل مثله في مسمى البيت، وإن كان أكبر مساحة وأشرف" "شرح النووي على مسلم" (18/ 113).

وقال ابن الملقن رحمه الله:

"من بني لله مسجدا ‌بني ‌الله ‌له ‌مثله ‌في ‌الجنة"، ولم يرد مثله في كونه مسجدا، ولا في صفته، ولكنه قابل البنيان بالبنيان" انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (20/ 431).

وقال العيني رحمه الله:

«قوله " ‌مثله "... المثل في اللغة الشبه، يقال: هذا الشيءُ مثلُ هذا؛ أي: شبهه. قال الجوهري: مثل كلمة تسوية، يقال: هذا ‌مثله، ‌ومَثيله كما تقول: شِبْهُه، وشَبيهه.

وعند أهل المعقول: المماثلة بين الشيئين: هو الاتحاد في النوع، كاتحاد زيد وعمرو في الإنسانية.  وإذا كان في الجنس: يسمى مجانسة، كاتحاد الإنسان مع الفرس في الحيوانية" "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (4/ 214).

وقد بينت ذلك الروايات الأخرى الثابتة في الصحيح، بلفظ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى ‌بَنَى ‌اللَّهُ ‌لَهُ ‌بيتا في الجنة").

فهي تبين معنى المثلية التي في الحديث السابق.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android