527

ما حكم فرح المرأة بالدورة الشهرية لترتاح من الصلاة؟

السؤال: 575633

حكم المرأة التي تنتظر، وتفرح بقدوم الحيض، حتى ترتاح من تعب الصلاة، وذلك لأنها تستطيع الخروج من البيت متى تشاء، دون أن تخاف من خروج وقت الصلاة، أو لأنها تستطيع النوم لساعات متواصلة دون الاستيقاظ للصلاة؟ فهل فرحها حرام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

شأن المسلم أن يرتاح بالصلاة، وليس أن يرتاح منها، فالصلاة ليست عناء ومشقة كي يستريح منها المسلم ، بل هي محبة وتعظيم لله تعالى، يبعث عليها صدق الرغبة إلى الله ، ويهيج إليها عظيم الشوق إليه سبحانه ، يتذلل المسلم بها بين يدي ربه ومولاه ، يناديه ويناجيه مقبلا إليه ، راجيا رحمته ، وسائلا فضله وكرمه وقربه ، فَمَن هذا حالُه لا يطلب إقالة ولا استقالة ، ولا يسأل إلا المزيد من مواسم العبادة والطاعة؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ ‌أَرِحْنَا ‌بِهَا رواه أبو داود (4985) وصححه الالباني.

وعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ‌حَزَبَهُ ‌أَمْرٌ، صَلَّى" رواه أبوداود (1319) وحسنه الألباني.

ومعنى حزبه: أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم .

والله تعالى جعل الصلاة لنا راحة وسكينة وطمأنينة؛ ولذا أمرنا بإقامتها عند حدوث الأزمات والإشكالات، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا ‌بِالصَّبْرِ ‌وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ البقرة: 153.

وقال صلى الله عليه وسلم: حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ ‌قُرَّةُ ‌عَيْنِي ‌فِي ‌الصَّلَاةِ رواه النسائي (3939) وصححه الألباني.

يقول ابن القيم رحمه الله :

"ولا ريب أن كمال العبودية تابع لكمال المحبة، وكمال المحبة تابع لكمال المحبوب في نفسه، والله سبحانه له الكمال المطلق التام من كل وجه، الذي لا يعتريه توهم نقص أصلا، ومَن هذا شأنُه، فإن القلوب لا يكون شيء أحب إليها منه ‌ما ‌دامت ‌فطرها ‌وعقولها ‌سليمة، وإذا كان أحب الأشياء إليها، فلا محالة أن محبته توجب عبوديته وطاعته، وتتبع مرضاته، واستفراغ الجهد في التعبد له والإنابة إليه، وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها" انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2/ 1081).

وقال رحمه الله:

" الصلاة قرة عيون المحبين ، وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم، يحملون هَمّ الفراغ منها إذا دخلوا فيها كما يحمل الفارغ البطال همها حتى يقضيها بسرعة ..

وبالجملة: فمن كان قرة عينه في الصلاة ، فلا شيء أحب إليه ، ولا أنعم عنده منها، ويودّ أَن لو قطع عمره بها ، غير مشتغل بغيرها ، وإنما يسلي نفسه إذا فارقها ، بأنه سيعود إليها عن قرب، فهو دائماً يثوب إليها ، ولا يقضى منها وطراً ، فلا يزنُ العبد إيمانه ومحبته لله بمثل ميزان الصلاة، فإنها الميزان العادل" انتهى من " طريق الهجرتين " (ص 307).

ثانياً:

التفكير بالراحة من الصلاة يدل على أن الإنسان: لا يقيمها حق قيامها، وإقامتها ليست هي مجرد الأداء، فإقامة الصلاة تعني الاعتناء بها ظاهراً بالطمأنينة، وباطنا بالتدبر والخشوع والـإنابة لله، والشعور بقربه، وكبير الافتقار إليه ، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

فعن ابن عباس: (‌إقامة ‌الصلاة ‌إتمام ‌الركوع ‌والسجود ‌والتلاوة ‌والخشوع والإقبال عليها فيها) . انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/168).

وأدنى ما في هذا الشعور من المرأة: أنه يدل على نقصان تعظيم شعيرة الصلاة في قلبها، ونقصان تقوى الله جل جلاله، وتعظيم حرماته. قال الله تعالى: ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ [الحج: 30]. وقال تعالى: ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ [الحج: 32]. ولا شك أن الصلاة هي أعظم شعائر الله التي أمر بتعظيمها، وإقامة، وتعظيم حرمتها.

قال الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله:

"من النساء من تفرح إذا جاءتها العادة، إذا نزل عليها ‌الحيض تفرح، ترتاح من الصلاة من الصيام، وهي معذورة شرعاً، فهل مثل هذا يكتب له من الأجر ما كان يعمله حينما كان طاهراً؟ هذا بلا إشكال، بلا خلاف: مثل هذا لا يكتب له.

وهذا مطرد في سائر العبادات، يعني الأعمى إذا ‌فرح بالعمى لأنه يعذر عن الجهاد، الأعرج إذا ‌فرح بالعرج لأنه يعذر عن الجهاد، والمريض إذا ‌فرح بالمرض لأنه يعذر عن حضور الجماعة، وما أشبه ذلك، هل يكتب له من الأجور شيء؟ لا، لا يكتب لهم من الأجور شيء؛ لأن المرد في ذلك هو القصد، وكون الإنسان يتمنى الشهادة ويموت على فراشه يكتب له أجر الشهداء، يعني إذا صدق في أمنيته، وأنه لو تيسر له ذلك لبادر إليه، يكتب له من الأجر مثل من يقتل في سبيل الله، بالعكس" انتهى من "شرح مختصر الخرقي" (25/ 3 بترقيم الشاملة).

فاحرصي على إقامة الصلاة على الوجه الأمثل والأكمل، وعظمي شعائر الله حق تعظيمها، وستشعرين بالشوق إليها وتمني قربها.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android