هل يلزم المكي المفرد إذا فسخ الحج إلى عمرة أن يخرج إلى الحل؟

السؤال: 572843

من أحرم بالحج من الحرم ثم فسخه إلى عمرة، فهل يجب الخروج إلى الحل؛ لأنه لم يجمع بين الحل والحرم في العمرة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

يستحب للمفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي أن يفسخا إحرامهما بالحج إلى عمرة. وهذا مذهب الحنابلة خلافا للجمهور.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/ 359): "قال: (ومن كان مفردا، أو قارنا، أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى، ويجعلها عمرة، إلا أن يكون معه هدي، فيكون على إحرامه).

أما إذا كان معه هدي، فليس له أن يحل من إحرام الحج، ويجعله عمرة، بغير خلاف نعلمه.

وقد روى ابن عمر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة، قال للناس: من كان منكم أهدى، فإنه لا يحل من شيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج، وليهد، ومن لم يجد هديا، فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. متفق عليه.

وأما من لا هدي معه، ممن كان مفردا أو قارنا: فيستحب له إذا طاف وسعى: أن يفسخ نيته بالحج، وينوي عمرة مفردة، فيقصر، ويحل من إحرامه؛ ليصير متمتعا، إن لم يكن وقف بعرفة. وكان ابن عباس يرى أن من طاف بالبيت، وسعى، فقد حل، وإن لم ينو ذلك.

وبما ذكرناه قال الحسن، ومجاهد، وداود.

وأكثر أهل العلم، على أنه لا يجوز له ذلك...

ولنا، أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع، الذين أفردوا الحج وقرنوا، أن يحلوا كلهم، ويجعلوها عمرة، إلا من كان معه الهدي، وثبت ذلك في أحاديث كثيرة، متفق عليهن، بحيث يقرب من التواتر والقطع، ولم يختلف في صحة ذلك وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم علمناه.

وذكر أبو حفص، في (شرحه) ، قال: سمعت أبا عبد الله بن بطة يقول: سمعت أبا بكر بن أيوب يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول، وسئل عن فسخ الحج؟ فقال: قال سلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، كل شيء منك حسن جميل، إلا خلة واحدة. فقال: وما هي؟ قال تقول بفسخ الحج؟

فقال أحمد: قد كنت أرى أن لك عقلا، عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا، كلها في فسخ الحج، أتركها لقولك؟!

وقد روى فسخ الحج ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعائشة، وأحاديثهم متفق عليها. ورواه غيرهم، وأحاديثهم كلها صحاح" انتهى من المغني.

وجمهور العلماء يرون نسخ ذلك. والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

ومن شاء الوقوف على حجة الفريقين فليرجع إلى "زاد المعاد"، لابن القيم (2/ 166-206)

ثانيا:

الإحرام بالحج له أحوال:

1-أن يكون للقادم من خارج من الحرم، فيلزمه الإحرام من الميقات، أو من موضعه خارج الحرم.

2-أن يكون الحاج متمتعا، وقد فرغ من العمرة، فيحرم بالحج من مكة.

3-أن يكون الحج من المكي، فيحرم به من مكة. والفرض هنا أنه مفرد أو قارن، أي لم يعتمر في أشهر الحج.

فالسؤال إنما يرد على هذا الأخير، وهو ما إذا أحرم المكي بالحج، مفرِدا، ثم فسخه إلى عمرة، فهل يلزمه أن يخرج إلى الحل؟

والجواب: أنا لم نجد هذا في كلام من استحب الفسخ، ولعل السببَ أمران:

1-أن الفسخ ليس إبطالا للإحرام من أصله، بل نقل له، فاغتفر فيه ذلك، كما اغتفر احتساب طواف القدوم للمفرد-وهو سنة- عن طواف العمرة، وهو ركن.

قال في "شرح المنتهى" (1/ 532): "وليس الفسخ إبطالا للإحرام من أصله، بل نقله بالحج إلى العمرة" انتهى.

ونقل ابن جاسر عن البهوتي في حاشية الإقناع قول ابن المنجى " إذا طاف وسعى، ثم فسخ: يحتاج إلى طواف وسعي لأجل العمرة. ورده الزركشي بأنه ليس في كلامهم ما يقتضي أنه يطوف طوافاً ثانياً".

قال البهوتي في توجيه كلام ابن المنجى: " وهو واضح؛ لأن طواف القدوم نفل؛ فكيف يجزئ عن طواف العمرة وهو ركن؟ والسعي شرطه أن يكون بعد طواف نسك، والطواف السابق لم يكن للعمرة، فلم يعتد بالسعي بعده لها. والله أعلم".

قال ابن جاسر: "قلت: الصحيح عدم إعادة الطواف والسعي، والله أعلم" انتهى من "مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام" (1/120).

2-أن الفسخ يصح قبل الطواف والسعي، وبعدهما، ولا يتصور أن يقال لمن طاف وسعى: اخرج إلى الحل، ثم ارجع واحلق أو قصّر.

والصحابة إنما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ بعد أن طافوا وسعوا، كما روى أحمد (12447) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَدِمُوا مَكَّةَ وَقَدْ لَبَّوْا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَعْدَمَا طَافُوا بِالْبَيْتِ، وَسَعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يُحِلُّوا وَأَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَكَانَ الْقَوْمُ هَابُوا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ هَدْيًا لَأَحْلَلْتُ " فَأَحَلَّ الْقَوْمُ وَتَمَتَّعُوا) وإسناده صحيح، كما قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.

فلا يتصور أن يقال لمن طاف وسعى، واحتُسب ذلك من عمرته: اخرج إلى الحل، ثم ارجع فاحلق أو قصر.

فلعل ذلك هو السبب في عدم إلزام المكي إذا فسخ الحج إلى عمرة، أن يخرج إلى الحل.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android