349

هل يجوز الدعاء إذا التبس عليه أمر بأن يجعل الله له آية ترشده للصواب؟

السؤال: 570983

ما حكم الدعاء بقول زكريا في القرآن ( ربي اجعل لي آية ) في الأمور التي يجد فيها حيرة أو يريد إرشاد أو إشارة ربانية تعينه في مقصده؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا حرج على الإنسان إذا تردد في أمر، أو التبس عليه وجه الخير فيه: أن يدعو قائلا: اللهم اجعل لي آية، أو بيِّنْ لي، أو أرِني الصواب، ونحو ذلك؛ لأنه دعاء بخير، ولا مانع منه.

ويمكن أن يستدل له بدعاء زكريا عليه السلام، قال الله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ  آل عمران/38، 42

قال ابن الجوزي رحمه الله في "زاد المسير" (1/ 281): " وفي علة سؤاله آية قولان:

أحدهما: أن الشيطان جاءه، فقال: هذا الذي سمعت من صوت الشيطان، ولو كان من وحي الله، لأوحاه إليك، كما يوحي إليك غيره، فسأل الآية، ذكره السدي عن أشياخه.

والثاني: أنه إنما سأل الآية على وجود الحمل، ليبادر بالشكر، وليتعجل السرور، لأن شأن الحمل لا يتحقق بأوله، فجعل الله آية وجود الحمل حبس لسانه ثلاثة أيام" انتهى.

وروى البخاري (6856) ومسلم (1497) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدِلًا، كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ. فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا".

روى أحمد (378) وأبوداود (3670) والترمذي (3049) والنسائي (5540) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ»، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ [البقرة: 219]، فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء: 43]، فَدُعِيَ عُمَرُ، فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي المَائِدَةِ: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ [المائدة: 91]- إِلَى قَوْلِهِ - فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91] فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: "انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا".

وجاء في قصة غلام الأخدود، ما روى مسلم (3005) عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ... فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ ... الحديث.

ومما ورد عن السلف في ذلك:

ما ذكره الذهبي في ترجمة أبي المظفر السمعاني: "وقال الحسين بن أحمد الحاجي: خرجت مع أبي المظفر إلى الحج، فكلما دخلنا بلدة، نزل على الصوفية، وطلب الحديث، ولم يزل يقول في دعائه: اللهم بين لي الحق، فلما دخلنا مكة، نزل على أحمد بن علي بن أسد، وصحب سعدا الزنجاني حتى صار محدثا" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (19/ 118).

وذكر في ترجمة الحافظ ابن ناصر السلامي: "وقال أبو طاهر السلفي: سمع ابن ناصر معنا كثيرا، وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع، ومات عليه ...

أنبؤونا عن ابن النجار، قال: قرأت بخط ابن ناصر، وأخبرنيه عنه سماعا يحيى بن الحسين، قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط، واشتغلت بالأدب على التبريزي، فجئت يوما لأقرأ الحديث على الخياط، فقال: يا بني! تركت قراءة القرآن، واشتغلت بغيره؟! عد، واقرأ علي ليكون لك إسناد.

فعدت إليه في سنة اثنتين وتسعين، وكنت أقول كثيرا: اللهم بين لي أي المذاهب خير.

وكنت مرارا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب (التمهيد) للباقلاني، وكأن من يردني عن ذلك.

قال: فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى الشيخ أبي منصور، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية، دري اللون، عليه نور وبهاء، فسلمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما جلست التفت إلي، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ - ثلاث مرات -.

فانتبهت مرعوبا، وجسمي يرجف، فقصصت ذلك على والدتي، وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه، فقصصت عليه الرؤيا، فقال:

يا ولدي، ما مذهب الشافعي إلا حسن، ولا أقول لك: اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري.

فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك، وأشهد الجماعة أنني منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع.

فقال لي: وفقك الله.

ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان، سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة.

قال ابن الجوزي، وغيره: توفي ابن ناصر في ثامن عشر شعبان، سنة خمسين وخمس مائة" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (20/ 269).

فهذه نماذج من سؤال الله تعالى بيان ما التبس على الإنسان أمره، وهي تدل على أن مثل ذلك كان سائغا عند أهل العلم، معمولا به عندهم، لا ينكرونه، ولا يستنكرونه.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android