231

كيف يصنع المأموم خلف الإمام المستخلف المسبوق؟

السؤال: 570784

دخلت صلاة الظهر مع الإمام مسبوقا بركعتين
وفي الركعة الثالثة تعب الإمام فتأخر فتقدمت من نفسي من غير استخلاف من الإمام لأتم بهم الصلاة
وصليت ٤ ركعات
كانت هناك مجموعة قد صلت مع الإمام الأول ركعتين وصلت معي ٤ ركعات فيكون بذلك قد صلوا الظهر ٦ ركعات
بعد الصلاة قلت لهم أن يعيدوا الظهر لانهم قاموا وهم يعلمون ان هذة ركعة خامسة وسادسة
فهل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

إذا اضطر الإمام للخروج من الصلاة فإنه يستخلف أحد المأمومين ليتم بهم الصلاة، فإن لم يفعل جاز لهم أن يقدموا أحدهم، أو أن يتقدم أحدهم لإتمام الصلاة بالناس، أو يتمون صلاتهم فرادى.

قال النووي رحمه الله:

الصحيح في مذهبنا: جواز الاستخلاف. قال البغوي: وهو قول أكثر العلماء. وحكاه ‌ابن ‌المنذر ‌عن ‌عمر ‌بن ‌الخطاب ‌وعلي ‌وعلقمة ‌وعطاء ‌والحسن ‌البصري ‌والنخعي ‌والثوري ‌ومالك ‌وأصحاب ‌الرأي ‌وأحمد. ولم يصرح ابن المنذر بحكاية منع الاستخلاف عن أحد المجموع شرح المهذب (4/ 245).

ويدل لهذا: أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة، أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فقدمه ، فأَتَمَّ بالناس الصلاة. رواه البخاري (3497).

‌وكان ‌ذلك ‌بمحضر ‌من ‌الصحابة ‌وغيرهم، ‌ولم ‌ينكر أحد منهم‌؛ فكان ‌إجماعا.

قال الشافعي رحمه الله:

إذا أحدث الإمام حدثا لا يجوز له معه الصلاة، من رعاف أو انتقاض وضوء أو غيره: فإن كان مضى من صلاة الإمام شيء، ركعة أو أكثر: أن يصلي القوم فرادى لا يقدمون أحدا، وإن ‌قدموا، أو قدم إمام رجلا فأتم لهم ما بقي من الصلاة: أجزأتهم صلاتهم انتهى من الأم (1/ 203).

وفي منتقى الأخبار (111): "قال الإمام أحمد بن حنبل: إن استخلف الإمام، فقد استخلف عمر وعلي، وإن صلوا وحداناً فقد طعن معاوية وصلى الناس وحداناً؛ من حيث طعن أتموا صلاتهم".

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

إذا قدم الإمام رجلًا من المأمومين عند احتياجه إلى قطع الصلاة: جاز في أظهر أقوال أهل العلم، وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وفعله عمر رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة، فإنه قدم عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ليتم الصلاة. والقصة في صحيح البخاري.

وكذا لو قدم المأمومون أحدهم إذا كانوا قلة، أو قدمه بعضهم إذا كانوا كثيرًا، وكذا لو تقدم أحدهم وأتم الصلاة دون أن يقدمه أحد.

قال أبو محمد ابن قدامة رحمه الله في المغني، بعد أن استدل للرأي الراجح وهو جواز الاستخلاف: إذا ثبت هذا؛ فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة، كما فعل عمر رضي الله عنه. وإن لم يستخلف، فقدم المأمومون منهم رجلًا فأتم بهم: جاز. وإن صلوا وحدانا: جاز.

قال الزهري في إمام ينوبه الدم، أو يرعف، أو يجد مذيًا: ينصرف، وليقل: أتموا صلاتكم. انتهى. كلام ابن قدامة.

ولا شك أن تقدم أحد المأمومين ليتم بهم الصلاة: أولى من إتمامهم الصلاة فرادى.

وليس الاستخلاف من الإمام ولا من المأمومين شرطًا في صحة الصلاة بعد خروج الإمام منها، فإنه لو تقدم أحد الجماعة عند إقامة الصلاة وصلى بهم، دون أن يقدمه أحد منهم فإن صلاته وصلاتهم وراءه صحيحة، فكذا لو تقدم في أثناء الصلاة ليتم الصلاة بعد خروج الإمام، وإن لم يقدمه أحد؛ لأن تقدمه يتضمن نية الإمامة، ومتابعتهم له تتضمن قصدهم الائتمام به، ولأن الصلاة جماعة مطلوبة شرعًا، فما كان محققًا لها أولى من عدمه" انتهى من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (12/ 135).

ثانيا :

ينبغي لمن استخلفه الإمام أو تقدم هو ليتم الصلاة بالناس أن يكون قد أدرك الصلاة من أولها مع الإمام ، وذلك حتى لا يسبب تشويشا على الناس ، ولا اضطرابا في صلاتهم.

ولا شك أنك قد أخطأت وأسأت بتقدمك لخلافة الإمام، مع أنك مسبوق بركعتين، والناس لا يكادون يفقهون أحكام ما ينوبهم من صلاتهم، وبالكاد أن يتموا صلاتهم صحيحة، مع الإمام الجديد الذي خلف الإمام الأول، وهو على نظم صلاتهم؛ وأما أن يأتي مسبوق بركعتين، فيتم بهم الصلاة، على نظم صلاته هو، فقد رأيت أنت كيف كانت النتيجة: المأمومون صلوا ست ركعات!! وكان الأولى بك ألا تعجل، وتدع الإمام يستخلف، أو يتقدم غيرك ممن أدرك أول الصلاة مع الإمام.

قال الميرغناني رحمه الله:

«والأولى للإمام: أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته، وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم ". 

فلو تقدم، يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام " لقيامه مقامه " وإذا انتهى إلى السلام، يقدم ‌مدركا ‌يسلم ‌بهم» الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 61).

ثالثا :

من يخلف الإمام في صلاته يبني بهم على ترتيب صلاة الإمام عند جمهور العلماء، فإذا كان مع الإمام من بداية صلاته فلا إشكال. وإن كان الذي خلف الإمام مسبوقا -كما هو الحال في السؤال- فإنه يتم بهم على ترتيب صلاة الإمام الأول، ثم يتم صلاته، وللمأمومين أحوال يأتي بيانها.

قال النووي رحمه الله:

قال أصحابنا ‌وإذا ‌استخلف ‌مأموما ‌مسبوقا ‌لزمه ‌مراعاة ‌ترتيب الإمام فيقعد موضع قعوده، ويقوم موضع قيامه، كما كان يفعل لو لم يخرج الإمام من الصلاة انتهى من المجموع شرح المهذب (4/ 243).

رابعاً:

في حال قام الإمام المستخلف – المسبوق- ليتم صلاته؛ فإنّ المأمومين المدركين مع الإمام من أولها، بالخيار بين:

  • إذا أتموا صلاتهم، جلسوا، وقرؤوا تشهدهم، وانتظروا أن يتم الإمام المسبوق ما فاته من الصلاة، ثم يسلمون معه.
  • إذا أتموا صلاتهم، سلموا فرادى، ولم ينتظروا الإمام، وأتم هو صلاته منفردا.

وذهب الحنابلة والأحناف إلى أن الإمام المسبوق إذا قام ليكمل صلاته، فإنه يقدم واحدا ممن أدرك الصلاة من أولها، مع الإمام، ليسلم بهم ، ويقوم هو يتم صلاته.

قال الكاساني، رحمه الله:

فإذا ‌انتهى ‌إلى ‌السلام يستخلف هذا الثاني رجلا أدرك أول الصلاة ليسلم بهم؛ لأنه عاجز عن السلام لبقاء ما سبق به عليه فصار بسبب العجز عن إتمام الصلاة كالذي سبقه الحدث فثبتت له ولاية استخلاف غيره فيقدم مدركا ليسلم ثم يقوم هو إلى قضاء ما سبق به

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 228).

وقال الحجاوي رحمه الله:

«وله أن ‌يستخلف ‌من ‌يتم ‌الصلاة بمأموم، ولو مسبوقا، أو من لم يدخل معه في الصلاة، ويستخلف المسبوق من يسلم بهم، ثم يقوم فيأتي بما عليه.

فإن لم يستخلف المسبوق، وسلموا منفردين، أو انتظروا حتى يسلم بهم: جاز، ويبنى الخليفة الذي كان معه في الصلاة على فعل الأول، حتى في القراءة...

فإن لم يستخلف الإمام، وصلوا وحدانا: صح" انتهى من الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (1/ 109).

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (3/259): " المنصوص عليه في مذاهب الفقهاء: أن كل من يصلح إماما ابتداء، يصح استخلافه، ومن لا يصلح ابتداء لا يصح استخلافه، وفي كل مذهب تفصيلات:

- فعند الحنفية: الأولى للإمام ألا يستخلف مسبوقا، وإن استخلفه ينبغي له ألا يقبل، وإن قبل جاز.

ولو تقدم: يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام، وإذا انتهى إلى السلام، يُقدِّم مدركا يسلم بهم...

- وقال المالكية: إنه يُشترط فيمن يصح استخلافه أن يدرك مع الإمام الأصلي قبل العذر، جزءا يعتد به من الركعة المستخلف هو فيها، قبل الاعتدال من الركوع، وإذا استخلف الإمام مسبوقا، صلى بهم على نظام صلاة الإمام الأول، فإذا انتهى إلى الركعة الرابعة بالنسبة لهم، أشار إليهم فجلسوا، وقام ليتم صلاته ثم يسلم معهم.

- وعند الشافعية: يصح استخلاف مأموم يصلي صلاة الإمام، أو مثلها في عدد الركعات، بالاتفاق، سواء أكان مسبوقا أم غيره، وسواء استخلفه في الركعة الأولى أم في غيرها؛ لأنه ملتزم بترتيب الإمام باقتدائه، فلا يؤدي إلى المخالفة...

وإذا أتم بالقوم صلاة الإمام، قام لتدارك ما عليه، والمأمومون بالخيار: إن شاءوا فارقوه وسلموا، وتصح صلاتهم بلا خلاف، للضرورة. وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه" انتهى.

خامساً:

من قام مع الإمام المسبوق الذي خَلَف الإمام الأول، عالماً بعدم جواز القيام معه: فصلاته باطلة.

ومن قام معه جاهلاً، يظن وجوب متابعة الإمام حتى يتم صلاته، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه؛ لجهله ببطلان الزيادة التي فعلها.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة، فسبح به، فلم يلتفت لقولهم، وظن أنه لم يسه؛ فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب: "إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم ، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه ، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم ، أو يسلموا قبله ، والانتظار أحسن" انتهى من  "مجموع الفتاوى" (23/53).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (7/128).

" وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة - مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة: بطلت صلاته.

أما من لم يعلم أنها زائدة: فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

 ذهبت إلى المسجد لصلاة العشاء، فوجدت الجماعة قد سبقوني بركعتين، وبعد أن كبرت للدخول في الصلاة، حصل للإمام عذر، جعله يقطع الصلاة، ويضعني إمامًا مكانه، فماذا أفعل في هذه الحالة، وأنا مسبوق بركعتين؟

فأجاب:

يصلي الركعتين التي أدرك مع الإمام، ويجلس للتشهد، فإذا تشهد التشهد الأول، والأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقوم، ويشير لهم يجلسون؛ حتى يفرغ ويسلم بهم جميعًا، يشير لهم؛ حتى يجلسوا، ولا يتابعوه، فإذا قضى الركعتين اللتين عليه؛ سلم بهم جميعًا؛ لأنه معذور في هذه الحالة، وهم معذورون، فهو يقوم حتى يكمل صلاته، وهم ينتظرونه؛ لأنه قام لعذر، فيسلم بهم جميعًا، هذا هو المشروع.

ولو أنه استخلف إنسانًا لم يفته شيء: لكان أولى.

لكن ما دام استخلفه، فإن الصلاة صحيحة، والحمد لله، فهو يصلي بهم ركعتين، ويتشهد بهم، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على الأصح، الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشهادتين، ثم ينهض مكبرًا إلى الثالثة، حتى يكمل لنفسه، فإذا كمل لنفسه، سلم بهم جميعًا، أما هم: لا ينهضون معه، ينتظرون حتى يسلم بهم جميعًا.

ولو قام معه جاهلا: فصلاته صحيحة، لكن هو يشير لهم حتى يجلسوا، وينبههم بعد الصلاة أن هذا هو المشروع، إذا حصل مثل هذا: يجلسون، وينتظرون " انتهى من فتاوى نور على الدرب لابن باز (12/ 143).

وخلاصة القول:

أن الأفضل في مثل هذه الحال: أن الذي يتقدم لخلافة الإمام، هو من أدرك معه أول صلاته، وبهذا تنتظم صلاتهم جميعا.

وصلاة المأمومين الذي تابعوا الإمام المسبوق، إلى نهاية صلاته: صحيحة، ما داموا تابعوه، جاهلين بأن عليهم ألا يتابعوه في الزيادة.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android