أولًا:
الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم لها فضل عظيم، وقد أمر الله بها إذ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.
وكذلك رغَّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الصلاة والسلام عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى عليَّ واحدةً؛ صلَّى الله عليه عشرًا) رواه مسلم (408).
وللإكثار من الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة فضل خاصُّ أيضًا، كما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ) رواه أبو داود (1047)، وصححه الألباني.
ثانيًا:
من خير ما يفعله المسلم أن يجعل لنفسه وردا يوميًّا، أو حزبا، من الأذكار الشرعية المأثورة، التي أمر بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ ذكر الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من خير العبادات القولية التي يحبها الله تعالى، ومن أعظم ما يثاب عليه المسلم، وقد جاء الأمر بكل ذلك والترغيب فيه في نصوص لا تحصى من الكتاب والسنة، فالتزام ذلك والمحافظة عليه كل يومٍ؛ خير عظيم، وهو سنة عباد الله الصالحين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما محافظة الإنسان على أورادٍ له، من الصلاة، أو القراءة، أو الذكر، أو الدعاء، طرفي النهار، وزلفا من الليل، وغير ذلك: فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصالحين من عباد الله، قديمًا وحديثًا"، انتهى من "مجموع الفتاوي" (22/ 521).
وإنما يجب أن يكون ذلك من غير ابتداع، حتى يسلم له عملُه ولا يرَدّ، والذي يجب أن يراعيه في ورده أو حزبه من الأذكار أمور:
الأول: أن يقصد في أذكاره إلى الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة، فيلتزمها ولا يتجاوزها، ومما يدل عليه:
ما رواه البخاري (247) عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به).
قال البراء رضي الله عنه: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: (لا، ونبيك الذي أرسلت).
ويراجع للفائدة جواب السؤال (319964).
الثاني: ألا يتجاوز تقييد الشرع وتخصيصه، إذا كان الذكر مقيًدا، مثل الأذكار الواردة دبر الصلوات، وأذكار النوم، ونحو ذلك، فهذه تقال في أوقاتها التي شرعت فيها، بأعدادها التي وردت بها.
فأما إن كان يذكر ذكرًا مطلقًا، ممتثلا لما أطلقه الشرع ورغَّب في الإكثار منه، كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسبيح والاستغفار والتهليل والتحميد ونحو ذلك، فالأمر فيه واسع، فله أن يذكر في أي وقت، وله أن يتخذ لنفسه ما يشاء من العدد.
ويراجع للفائدة جواب السؤالين (194998)، و(220195).
الثالث: ألا يقيد ما أطلقه الشرع.
والمقصود بذلك: أن يكون تحديده لأعداد الأذكار وأوقاتها، ليس مبنيًا على اعتقاده أن لهذه الأعداد والأوقات فضلًا زائدًا على غيرها، أو أنها مستحبة كالأوقات الشرعية والأعداد الشرعية.
فإن كان اختياره للوقت والعدد مراعاة لمعنى معقول، أو فيه مصلحة خاصة له، كأن يكون هذا هو وقت فراغه، أو نشاطه، ونحو ذلك، فلا حرج في ذلك، ويؤكد ذلك أن يتغيّير العدد أو الوقت بحسب تغير حاله.
فالبدعة المذمومة، أن يعتقد أن هذا الوقت أو هذا العدد، مستحب، أو له فضل في نفسه، فيصرُّ على تحديد وتخصيص ما أطلقه الشرع، معتقدا في أفضليّة ليس عليها برهان ولا دليل، بحيث لا ترضى نفسه إلا بهذا الوقت المحدد أو العدد المحدد، فهذه حينئذ: (طريقة في التعبد – أو في الدين – مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية)، وهو تعريف البدعة الإضافية، وهي مذمومة مردودة.
وللفائدة يراجع جواب السؤال (148174).
وعلى ما سبق:
فلا حرج في التزامك بوردك على الصفة المذكورة في السؤال، فلا حرج في تحديدك وقتًا، بعد أذكار الصلوات، ولا في تحديد العدد بعشر مرات، ولا في التزامك بذلك، ما دمت تفعل كل ذلك تنظيما لوقتك، وترتيبًا لشأن أذكارك لا غير، أي: بدون اعتقاد أنه هذا العدد أفضل من غيره شرعًا، ولا أن هذا الوقت أفضل من غيره شرعًا.
وإن كان الأحسن أن تخالف العادة، بين الحين والحين، كلما أمكنك، من غير أن يفسد عليك ذلك أورادك، لئلا يكون الترتيب والتنظيم، بهيئة العبادة المشروعة والوظيفة الملتزمة.
وأما جمعك بين عشر صيغ للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كلها من الوارد في الأحاديث الصحيحة، مأثورة في الصحاح والمسانيد كما ذكرت؛ فهذا مستحبٌّ، ولا يضرك التنقل بين الصيغ المختلفة، ما دامت كلها من الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ينفعك ذلك إن شاء الله.
والله أعلم.