أولاً:
النفث على اليد ثم مسح الجسد عند قراءة القرآن أو الذكر، له أصل في السنة .
فقد روى البخاري (5017) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" .
وانظر معنى الحديث: فتوى رقم: (174571).
وروى مسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي".
ثانياً:
لا حرج أن يقرأ المسلم آية الكرسي قبل نومه، ثم ينفث في يديه ويمسح بهما جسده عند الاضطجاع؛ لأن آية الكرسي من آيات الحفظ والتحصين والرقية، وقد وردت أحاديث بقراءتها عند النوم، وحديث عائشة رضي الله عنها لا يمنع من ذلك.
فالرقية في الشرع أوسع من أن تحصر في المعوذات، وإن كانت في هذا المقام هي أفضل.
خرج مسلم في صحيحه (2200) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: "كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ فأجاز رقى الجاهلية التي هي ليست من الكتاب والسنة ما دام أنها بأسماء الله وصفاته، ومفهومة، وليس فيها شرك، ويعتقد أن الرقية لا تنفع إلا بإذن الله تعالى.
فالحديث يدلّ من باب أولى على جواز الرقية بجميع آيات القرآن ومنها آية الكرسي.
انظر: شروط الرقية فتوى رقم: (13792).
وأما النفث عند قراءة القرآن والذكر فقد دلت عموم الأحاديث بذلك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" يعالج السحر بالقرآن سواء قرأ المسحور على نفسه إذا كان عقله معه سليما ، أو قرأ غيره عليه فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ، يقرأ عليه بالفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) والمعوذتين ، وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف ، وسورة يونس ، وسورة طه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن باز" (6/288) .
وقال الشيخ صالح الفوزان: "الأولى أن يقرأ المسلم على أخيه، بأن ينفث على جسمه بعد ما يقرأ الآيات أو على موضع الألم منه وهذه هي الرقية الشرعية وإن قرأ له في ماء وشربه فكذلك أيضًا، لأن هذا ورد به الحديث" انتهى من "المنتقى" (1/ 72 - برقم 131).
سئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك:
هل هناك بأس في النفث بعد ذكر الله كقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) بنية الشفاء؟
"لا بأس . يكون هذا من نوع الرقية يرقي نفسه بـ(أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق)" انتهى.
وانظر: فتوى رقم: (3476).
ثالثاً:
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بقراءة آية الكرسي عند النوم، وأخبر أن من قرأها لا يزال عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
في صحيح البخاري (5010) "... إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ....
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (398507).
وعلى هذا، فيفرق في قراءة آية الكرسي عند النوم بين أمرين:
الأول: قراءتها المجردة عن نفث، أو مسح للبدن: فهذه مستحبة، ثبتت بها السنة.
الثاني: قراءتها، مع النفث في اليدين، ومسح البدن: فهذا جائزة، مشروعة أحيانا، مباحة عند إرادة الرقية بها، ولكن لا يفعل بها كما يفعل بالسنة الراتبة من التزامها، والدوام عليها؛ إنما تفعل عند الحاجة.
ولو اقتصر على قراءتها، والنفث بما رودت السنة بالنفث بها: لكان أحسن، وألزم للهدي الوارد.
رابعاً:
يجوز في حال المرض أن يقرأ بها على جسده مع النفث، في أي وقت من النهار أو الليل، لأنها قرآن، وهي من الآيات النافعة في الرقية، وأفضل آية في القرآن.
ينظر: فضل آية الكرسي فتوى رقم: (6092).
لكن هذا إنما يفعل عند قصد الرقية بها فقط، كما سبق التنبيه عليه.
وأما في غير حال المرض، ولا قصد الرقية: فالذي يظهر أن ذلك لا يشرع؛ لأن قراءة آية الكرسي، إما بعد الصلاة المكتوبة، أو في أثناء قراءة المرء للسورة، أو مفردة، بقصد التلاوة= هذا كله من العبادات، ولا يشرع في العبادة: التزام هيئة لم ترد بها السنة؛ بل هذا بالبدعة أشبه.
وقد سئل الشيخ سليمان الماجد فتوى رقم: (6579) لوحظ أن بعض الناس وعند الانتهاء من الصلوات المفروضة وقراءة الأذكار يقوم بالنفث في يده ويمسح به جسمه، ما حكم ذلك؟
إذا كان يقرأ هذه الأذكار قاصدا الرقية، فيجوز له هذا الفعل أحياناً، وأما المداومة عليه فلا نراه مشروعاً؛ لأنه لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
انظر: فتوى رقم: (276440).
والله أعلم.