حفظ
  • قائمة جديدة
المزيد
    حفظ
    • قائمة جديدة
19/محرم/1447 الموافق 14/يوليو/2025

ما حكم استقبال المأموم الناس بوجهه بعد الصلاة؟

السؤال: 568130

ما حكم بعض المصلين الذين يواجهون بقية المصلين بعد انقضاء الصلاة المكتوبة بالجلوس على الحائط المواجه للصف الأول، حيث يقومون بمد أرجلهم لوجوه من أمامهم، والتحديق لبقية المصلين، وبعض المصلين ينزعج من النظر اليه من الجالسين قبالة وجهه؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

لا شك أن احترام الناس وتقديرهم من الأخلاق التي حثت عليها الشريعة، وكل سلوك يشي بعدم احترام الآخرين وتقديرهم لا يحبه الله.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات "‌بحسب ‌امرئ ‌من ‌الشر ‌أن ‌يحقر ‌أخاه ‌المسلم رواه مسلم (2564).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ ‌يَرْحَمْ ‌صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه أبو داود (4943) وصححه الالباني.

والعادة والأعراف محكمة في الشريعة فعلى المسلم أن يراعي ذلك ويتحلى بمكارم الأخلاق وكمالات السلوك فهذا مما يقرب العبد إلى ربه.

وعن ابن عمر أن سول الله عليه الله عليه وسلم قال: (إن خياركم ‌أحاسنكم ‌أخلاقاً) رواه البخاري (5688).

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ ‌أَثْقَلُ ‌فِي ‌الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ رواه أبو داود (4799) وصححه الالباني.

ثانياً:
بعض صور الاحترام والتقدير يكاد أن يكون متفقاً عليها عند جميع الناس، وهذه على المسلم أن يجتنها بكل حال. ومنها أن يمد الإنسان قدميه في وجوه الآخرين، فهذا سلوك غير لائق، وإنما يغتفره الناس لمريض أو صاحب عذر شديد يحتاج أن يمد رجليه.

وقد جاء في بعض الأخبار، في وصف أخلاق صلى الله عليه وسلم: أنه لا يمد رجليه أمام جليسه.

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ، لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلَا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ ‌بَيْنَ ‌يَدَيْ ‌جَلِيسٍ ‌لَهُ رواه الترمذي (2490) وفيه ضعف.

قال المقريزي رحمه الله:

وكان أكثر الناس إكراما لأصحابه، لا ‌يمد ‌رجليه بينهم، ويوسع لهم إذا ضاق بهم المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه انتهى "إمتاع الأسماع" (2/ 188).

وقال ابن جماعة: وكان أشد الناس إكراما لأصحابه، لا ‌يمد ‌رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المجلس، ويتفقدهم، ويسأل عنهم انتهى من "المختصر الكبير في سيرة الرسول" (ص74).

وقد عد أهل العلم مد الأرجل بين يدي الناس من خوارم المروءة التي تقدح بالشخص.

قال ابن قدامة رحمه الله:

«فأما المروءة: فاجتناب الأمور الدنيئة المزرية به، وذلك نوعان؛ أحدهما، من الأفعال، كالأكل في السوق. يعنى به الذى ينصب مائدة في السوق، ثم يأكل والناس ينظرون. ولا يعنى به أكل الشيء اليسير، كالكسرة ونحوها. وإن كان يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه، أو ‌يمد ‌رجليه في مجمع الناس" انتهى من "المغني" لابن قدامة (14/ 152).

وقال ابن الشحنة الحلبي رحمه الله:

وَكَذَلِكَ لَا تقبل شَهَادَة من يَأْكُل فِي السُّوق بَين يَدي النَّاس، وَكَذَا من ‌يمد ‌رجلَيْهِ عِنْد النَّاس انتهى من "لسان الحكام" (ص245).

ثالثاً:

بعض السلوكيات التي لا تصلح في مجامع الناس يتغافرها الأصحاب الذين ليس بينهم مؤونة، ويتبسطون في علاقاتهم فيما بينهم، ولذا فإن تقدير بعض السلوكيات، يختلف باختلاف الحال والأشخاص.

ويدل لذلك: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه. أو ساقيه. فاستأذن أبو بكر فأذن له. وهو على تلك الحال. فتحدث. ثم استأذن عمر فأذن له. وهو كذلك. فتحدث. ثم استأذن عثمان. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسوى ثيابه - قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدث. فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له. ولم تباله. ثم ‌دخل ‌عمر ‌فلم ‌تهتش ‌له ‌ولم ‌تباله. ‌ثم ‌دخل ‌عثمان ‌فجلست وسويت ثيابك! فقال "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة" رواه مسلم (2401).

قال أبو عباس القرطبي رحمه الله:

وفيه دليل على جواز معاشرة كل واحد من الأصحاب بحسب حاله. ألا ترى انبساطه، واسترساله مع العمرين، على الحالة التي كان عليها مع أهله، لم يُغيِّر منها شيئًا، ثم إنه لما دخل عثمان ـ رضي الله عنه ـ غيَّر تلك التي كان عليها، فغطى فخذيه، وتهيَّأ له انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (6/ 263).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

«ومما يخرم المروءة: أن يمد الإنسان رجله بين الجالسين؛ لأنه من العادة أن الإنسان يوقر جلساءه، وأن لا ‌يمد ‌رجليه بينهم.

ولكن هذا في الحقيقة يختلف، فإذا كان الإنسان معذورا، وعرف الجالسون أنه معذور، فإن ذلك لا يعد خارما للمروءة؛ لأنهم يعذرونه، أو كان الرجل استأذن منهم وقال: ائذنوا لي، ففعل، فليس خارما للمروءة، أو كان الإنسان بين أصحابه وقرنائه، ففعل ومد رجله بينهم وهم جلوس، فهذا لا يعد خارما للمروءة، ومن الأمثال العامية عند الأصحاب ترفع الكلفة في الآداب.

على كل حال: الضابط في المروءة: ألا يفعل ما ينتقده الناس فيه، لا من قول ولا من فعل» انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (11/ 107).

وقد نص المالكية على جواز مد الرجلين حال خطبة الجمعة، لمن احتاج إليه.

رابعاً:

أما من يستقبل الناس بوجهه بعد الصلاة، فإن كان من يواجهه من المأمومين الذين أتموا معه الصلاة -وهو ظاهر السؤال-، ولم يكن فيهم أحد يصلي وهو مستقبله، وكان بحاجة للاستناد للجدار الأمامي بعد الصلاة لحاجته لإسناد ظهره، دون مد أرجله إلى الناس، أو التحديق في وجوههم: فلا باس.

فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ " . رواه البخاري (845).

وإن كان في الصف التالي له من يتم صلاته، أو قام يصلي، فاستقبله هذا بوجهه: فقد جاء النهي عن ذلك والتشديد فيه عن بعض السلف. وعن بعضهم أنه لا بأس به، ولا يقطع الصلاة.

وقد بوب البخاري بقوله:

‌بَاب: ‌اسْتِقْبَالِ ‌الرَّجُلِ ‌صَاحِبَهُ ‌أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي.

وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي.

وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ، فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ. انتهى "صحيح البخاري ت/ البغا" (1/192).

قال ابن رجب رحمه الله:

«ونص أحمد على كراهة أن يصلي مستقبل رجل -: نقله عنه المروذي.

ونقل عنه ابنه صالح، أنه قال: هذا منهي عنه.

وعلل الأصحاب كراهة ذلك بان فيه تشبها بعبادة المخلوقين، فكره كما تكره الصلاة إلى صورة منصوبة.

وعلى هذا التعليل، فلا فرق بين أن يشتغل بالنظر إلى ذلك، أو لا يشتغل. والله اعلم.

وكره أصحاب الشافعي الصلاة إلى آدمي، يستقبله ويراه، وعللوه بأنه يشغل المصلي ويلهيه نظره إليه". "فتح الباري لابن رجب" (4/ 103). وينظر: "الشرح الكبير" (3/ 640 ت التركي)

وهذا الذي نقله ابن رجب عن الحنابلة والشافعية، نقل اتفاق الفقهاء عليه؛ أي: كراهة الصلاة إلى وجه إنسان. جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (24/ 179):

وأما ‌الصلاة ‌إلى ‌وجه الإنسان فتكره عند الجميع، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله، فأنسل انسلالا. وروي أن عمر رضي الله عنه أدب على ذلك. انتهى.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي، رحمه الله:

"وحكى القاضي وغيره: اتفاقهم على كراهة ‌الصلاة ‌إلى ‌وجه آدمي. وعزر عمر من صلى إلى وجه أدمي. وفي الصحيحين عن عائشة كان "يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة. وتكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فاستقبله فانسل انسلالاً" ولأبي داود "نهى عن الصلاة إلى المتحدث" فكل ما يشغله عن حضوره فمكروه لخبر عائشة وغيره" انتهى، من "الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم" (1/ 254).

وقد صرح الأحناف بالنهي عن هذا الفعل من الجانبين: من جانب المصلي: ألا يستقبل وجه أحد ـ حيوان ـ في صلاته. ومن جانب الجالس، ألا ينصب وجهه لوجه من يصلي. قال ابن نجيم، رحمه الله:

"‌الصلاة ‌إلى ‌وجه أحد مكروهة، كما في الجامع الصغير. قال في المنية: والاستقبال إلى المصلي: مكروه، سواء كان المصلي في الصف الأول، أو في الصف الأخير" انتهى. من "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (2/ 33).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:

ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة، وإن لم يكن العابد يقصد ذلك، ولهذا ينهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وإن لم يقصد الساجد ذلك، لما فيه من مشابهة السجود لغير الله. فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات. انتهى، من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 220).

وقال أيضا: "ونهى أيضا عما يشبه ذلك، وإن لم يقصد به ذلك، ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وعن الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله، كالنار ونحوها" "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 227).

والحاصل:

أن استقبال المصلي لغيره بوجهه مكروه منهي عنه. وكذا استقبال من كان في الصف الأمامي، أو جالسا بين يدي المصلي، لمن يصلي بوجهه: مكروه عنه، باتفاق الفقهاء. إما لأن ذلك مما يشغل المصلي، أو لأن في ذلك شبها بفعل الأعاجم والكفار، من استقبال ما يعبد من دون الله، كما قرره شيخ الإسلام.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

خيارات تنسيق النص

خط النص

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android