أولا:
من أفطر أياما من رمضان، لزمه قضاؤها قبل مجيء رمضان آخر، إلا لعذر، كأن يتصل به المرض، أو يجتمع مرض ورضاعة أو حمل، فلا تتمكن المرأة من القضاء.
ومن أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر، لغير عذر، فقد أوجب عليه جماعة من الفقهاء فدية عن كل يوم، وهي طعام مسكين.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/ 366): " فرع في مذاهب العلماء فيمن أخر قضاء رمضان بغير عذر حتى دخل رمضان آخر:
قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمه صوم رمضان الحاضر، ثم يقضي الأول. ويلزمه عن كل يوم فدية، وهي مد من طعام.
وبهذا قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد والزهرى والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد وإسحق، إلا أن الثوري قال: الفدية مدان عن كل يوم.
وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: يقضيه، ولا فدية عليه" انتهى.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (26865) أن الراجح عدم وجوب الفدية، لكن من أخرجها احتياطاً فحسن.
والمسئول عنها تعلم وجوب القضاء، وتجهل أنه لا يجوز تأخيره حتى يدخل رمضان آخر، فالأصل أنه يلزمها القضاء، وإن فدت عن التأخير، فحسن، وإن لم تفدِ فلا شيء عليها.
ثانيا:
إذا مرضت وقال الطبيب: إن الصوم يضرها، وإن مرضها لا يرجى برؤه، فإنها تطعم ولا تصوم.
فتطعم عن الأيام التي عليها، وتطعم عن رمضان الحاضر.
قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184.
روى البخاري (4505) عن ابْنُ عَبَّاسٍ قال: "لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا".
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب قَوْلِهِ: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...
وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ، عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ ".
ثالثا:
إذا شفي المريض وأمكنه الصوم، بعد أن ظٌن أن مرضه لا يرجى برؤه: فهل يلزمه القضاء، أو تكفيه الفدية التي أخرجها، أو يفرق بين إن كان أخرج الفدية أو لم يخرجها؟
في ذلك خلاف، سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (208441) وقد رجحنا فيه أنه لا يلزمه القضاء، سواء كان أخرج الفدية أم لا، وهو مذهب الشافعية.
قال الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (3/ 193): " وإنما لم يلزم من ذُكر قضاء، إذا قدر بعد ذلك؛ لسقوط الصوم عنه، وعدم مخاطبته به، كما هو الأصح في "المجموع"، من أن الفدية واجبة في حقه ابتداء، لا بدلا عن الصوم" انتهى.
وقال الشبراملسي في حاشيته عليه: "لم يلزم من ذكر قضاء، أي: وإن كانت الفدية باقية في ذمته" انتهى.
وعلى هذا، فما أخرجتْ الفدية عنه خلال سنوات المرض، لا يلزمها فيه شيء آخر.
وكذلك ما كان قبل مرضها، مما أفطرته لعذر الحيض ولم تقضه، سواء كانت أخرجت الفدية عنه أو لا، لا يلزمها قضاؤه الآن، وتكفيها الفدية، فإن لم تكن أخرجتها فلتخرجها الآن.
وذلك أنها كانت مخاطب بالفدية في حال مرضها المزمن، فلا تنتقل عنها إلى غيرها، ولأن في إيجاب قضاء ما مضى من السنوات مشقة شديدة، والمشقة تجلب التيسير.
وعليها أن تصوم مستقبلا، ما دام الصوم لا يضرها.
ونسأل الله لها شفاء عاجلا.
والله أعلم.