186

هل يرخص لمن يجد مشقة في قراءة الفاتحة بتقليد من لا يرى وجوبها على المأموم؟

السؤال: 568013

أعاني من وسواس، ويصعب علي قراءة الفاتحة بعد الإمام، وخاصة إذا لم يسكت فترة بعد الفاتحة، أجد مشقة في التركيز، وأنا أسمع صوت الإمام، وأضطر إلى أن أجهر بالفاتحة، وأعيد بعض الآيات أكثر من مرة، بل وأعيدها كلها بعد أن انتهي منها؛ بسبب التشتت والشك هل أتيت بهذه الآية أم لا، وهل خرج ذلك الحرف من مخرجه أم لا، وذلك قد يشوش على من يصلي بجواري، وبعد كل ذلك أشك هل أتيت بها على الوجه الصحيح ام لا، وربما أعيد الصلاة منفردا بعد الجماعة أحيانا أكثر من مرة، ونفس الأمر يحدث معي في التشهد، فهل لي أن آخذ بالرأي الذي لا يوجب قراءة الفاتحة للمأموم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

نعم، يُرخص لك ـ في حالتك هذه ـ أن تعملي بقول من لا يُوجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية، لما فيه قراءتك مع الإمام: من مشقة ظاهرة عليك، ووسوسة شديدة، تحملك على تكرار الفاتحة وإعادتها مرارًا، بل وربما الجهر بها على وجه يُشوش على من حولك، بل قد تعيد الصلاة لأجل ذلك.

وهذا القدر من المعاناة يدخل في دائرة العذر المعتبر شرعًا، ويدخل تحت القاعدة الأصولية: المشقة تجلب التيسير.

قال الله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.

وقال الله تعالى في آية الصوم:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

"أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.

وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.

وهذه جملة لا يمكن تفصيلها ، لأن تفاصيلها جميع الشرعيات ، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات" انتهى من "تفسير السعدي" (ص86–87).

وينظر: فتوى رقم: (389309).

هذا؛ مع أن هذه المسألة المعينة "قراءة الفاتحة": فيها خلاف قوي معتبر بين الفقهاء، من عهد الصحابة، رضوان الله عليهم، والقول بعدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية : ذهب إليه جمهور أهل العلم، فهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، والقول القديم للشافعي، وبه قال أكثر السلف، ورجّحه جمع من المحققين كابن تيمية، والشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ الألباني رحمهم الله جميعًا.

انظر: "البناية" للعيني (2/313)، حاشية الدسوقي (1/237)، وينظر: "القوانين الفقهية" لابن جُزَي (ص: 44)، الإنصاف للمرداوي (2/163)، "المجموع" للنووي (3/364)، "الفتاوى الكبرى" (2/286)، "مجموع الفتاوى" (22/294-295) ، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (2/289)، توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/ 188)، أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (1/ 327).

وإذا قدر أن هذا القول مرجوح من حيث الأدلة، وأن الراجح في نفس الأمر هو وجوب القراءة خلف الإمام؛ فإن فإن الأخذ بهذا القول ـ في حالتك ـ لا يُعد من التتبع المذموم للرخص، بل هو من التيسير المشروع، ورفقٌ للنفس بما لا يُخلّ بأصل العبادة.

ثانياً:

الأخذ بالأيسر من أقوال الفقهاء في مسألة ما لضرورة -كحالتك- أو لحاجة منضبطة، دون تتبع للرخص: لا مانع منه على قول كثير من العلماء؛ وذلك تحقيقًا لمقصد الشريعة في التيسير، فالنبي ﷺ ما خُيِّر بين أمرين إلا واختار أيسرهما.

قال سفيان الثوري رحمه الله: "إنّما العلمُ عندنا: الرخصةُ من ثقة، فأما التشديدُ فيحسنُه كلُّ أحد" انتهى من "جامع بيان العلم وفضله" (٢/٧٧).

وقال ابن الهمام رحمه الله: وكونُ الإنسان يتبعُ ما هو أخفُّ على نفسه، من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد: ما علمت من الشرع ذمَّه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبُّ ما خفَّفَ عن أمته انتهى من "فتح القدير" (٧/٢٥٨).

وقال الشيخ عليش، شيخ المالكية في مصر، رحمه الله: أما التقليد في الرخصة من غير تتبع، بل عند الحاجة إليها، في بعض الأحوال، خوفَ فتنة ونحوها= فله ذلك انتهى من "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (١/٦٠).

وقال ابن السبكي رحمه الله: "يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء، بعض الأوقات؛ عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص.

ومن هذا الوجه: يصح أن يقال: الاختلاف رحمة، إذ الرخص رحمة" انتهى من "الإبهاج في شرح المنهاج" (3/19).

ثالثاً:

لدفع الوسوسة عليك بالدعاء، والاهتمام بالرقية، وتعامل بإعراض وعدم تَشدُّد في مسألة إعادة آيات أو سورة الفاتحة، أو التشهد، أو إعادة الصلاة؛ فإن الإعراض في موضع التشديد يجعلك على حدّ الاعتدال.

فإذا قرأتِ وشككتِ، فاعتبري أنك قد قرأت، وأنكِ أديتِ الصلاة صحيحة، ولا تُعِيدي الصلاة؛ فصلاتك صحيحة، فمن كان كثير الشك، فإنه لا يلتفت إلى شكه، ولا عبرة به، بل ولا يسجد له أيضا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "منظومة القواعد":

والشك بعد الفعل لا يؤثر ...  وهكذا إذا الشكوك تكثر

ولا يجوز للمأموم أن يرفع صوته بحيث يشوش على من معه من المصلين.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"لا يجوز للإنسان المأموم أن يرفع صوته بحيث يشوش على من معه من المصلين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم وقد سمعهم يجهرون بالقراءة وهم يصلى كل واحدٍ لنفسه، ولكنه يجهر بالقراءة، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (كلكم يناجي ربه فلا يجهرن بعضكم على بعض في القراءة) وفي حديثٍ آخر قال (لا يؤذين بعضكم بعضاً)، ومعلوم أن إيذاء المسلم محرم فلا يجوز للمأموم أن يجهر بالقراءة أو التسبيح أو التكبير أو الدعاء على وجهٍ يشوش به على إخوانه ..." انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/ 2، بترقيم الشاملة آليا).

وقد سبق لنا نشر بحث موسع، مفيد، حول الوسواس القهري، ننصح بالرجوع إليه، والاستفادة منه.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android