أولا:
يباح الفطر بسبب المرض في أحوال:
1 - أن يصحب المرض ألم ومشقة ظاهران، فوق ما يحتمل عادة.
2 - أن يخاف زيادة المرض بالصوم.
3 - أن يخاف تأخر البرء بسبب الصوم.
4 - أن يخاف الصحيح حدوث المرض بالصوم.
5 - أن يحتاج المريض إلى الدواء في النهار بحيث لا يمكنه تأخيره إلى الليل.
فكل هذه أعذار تبيح الفطر.
وقال النووي في "المجموع" (6/ 261): "الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ، لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ: لا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ. . . وَهَذَا إذَا لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالصَّوْمِ.
وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالَةٍ لا يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ، بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: شَرْطُ إبَاحَةِ الْفِطْرِ: أَنْ يَلْحَقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ، يُشَقُّ احْتِمَالُهَا" انتهى.
وقال: " وَأَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الَّذِي لا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ بِلا خِلَافٍ عِنْدَنَا" انتهى من "المجموع" (6/ 261).
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/ 403): "وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ: هُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَزِيدُ بِالصَّوْمِ، أَوْ يُخْشَى تَبَاطُؤُ بُرْئِهِ. قِيلَ لأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ. قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى!. . .
وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى الْمَرَضَ بِالصِّيَامِ , كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَتَهُ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ؛ لأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ خَوْفًا مِمَّا يَتَجَدَّدُ بِصِيَامِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَتَطَاوُلِهِ، فَالْخَوْفُ مِنْ تَجَدُّدِ الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهُ " انتهى.
فإن كان الصوم تحصل معه مشقة شديدة لوالدتك، فهذا عذر يبيح لها الفطر.
ثانيا:
إذا كانت والدتك تقدر على الصوم إذا حصل على فترات متباعدة، فالواجب في حقها القضاء، ولا يجزئها الإطعام؛ لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ البقرة/183- 184.
وأما من يضره الصوم في جميع الأوقات، فهذا عاجز عن الصوم، والواجب في حقه الإطعام؛ لقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ البقرة/184.
روى البخاري (4505) عن ابْنُ عَبَّاسٍ قال: "لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا".
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب قَوْلِهِ: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ، عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ".
وبعض الأطباء والمختصين في المجال الصحي: ينصح بالصيام للمرضى الذين يعانون من الارتداد المعدي المريئي والقرحة الهضمية؛ لأنه يساعد على تخفيف الأعراض المرتبطة باضطراب إنتاج الحمض.
ثالثا:
الواجب على والدتك قضاء ما فات، ثم إن كان التأخير لعذر فلا شيء عليها غير القضاء.
وإن كان التأخير لغير عذر، أي كان يمكنها القضاء خلال العام، فعليها مع القضاء الفدية عند الجمهور، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، ولا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/ 366): " فرع في مذاهب العلماء فيمن أخر قضاء رمضان بغير عذر حتى دخل رمضان آخر:
قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمه صوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول، ويلزمه عن كل يوم فدية، وهي مد من طعام، وبهذا قال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد والزهرى والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد وإسحق إلا أن الثوري قال: الفدية مدان عن كل يوم.
وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: يقضيه ولا فدية عليه" انتهى.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (26865) أن الراجح عدم وجوب الفدية، لكن من أخرجها احتياطاً فحسن.
والحاصل:
أنه ما دام يمكن والدتك الصوم، فلا يجزئها الإطعام، بل تفطر عند المشقة الشديدة، وتقضي، ويلزمها قضاء جميع ما أفطرت؛ تفرقه على الأيام، بحسب ما يمكنها من ذلك.
والله أعلم.