هل لختم القرآن فضل خاص غير فضل التلاوة؟

السؤال: 566013

راودني سؤال حول الأجر على الختمة نفسها وليس الأحرف القرآنية، هل هناك أجر إضافي على انتهائي من تلاوة القران فوق الأحرف؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قد تضافرت النصوص في فضل تلاوة القرآن وعظم أجر تلاوة حروفه، وقد سبق بيان شيء من هذا في جواب السؤال رقم: (232297)، ورقم: (45839).

وأما ما يتعلق بأجر ختم التلاوة، فلم يثبت فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى:

" فقد بلغت السنن في فضل قراءة القرآن مبلغا عظيما، لكن في خصوص الختم: لم يثبت فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا ختم العبد القرآن، صلى عليه عند الختم سبعون ألف ملك ) رواه الديلمي، وهو موضوع " انتهى. "مرويات دعاء ختم القرآن" (ص 8).

لكن لا شك أن تلاوة القرآن مع ختمه أفضل من التلاوة بدون ختم؛ لأمور:

الأمر الأول:

أن الختم هو سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومضى عليها الصالحون.

قال الله تعالى:

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب (21).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله...

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً ) " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 391).

الأمر الثاني:

أن كل آية من آيات القرآن الكريم من حِكَم إنزالها أن يتدبرها القارئ، فلا تخلو آية من علم نافع، فالذي يختم القرآن كل فترة حري أن يفتح له من العلم والإيمان مالا يفتح لمن لا يختمه، ويكون بتدبره لجميع آيات القرآن الكريم قد استجاب للأمر بتدبر آياته.

قال الله تعالى:

( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص (29).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أنزل هذا الكتاب، معظما نفسه جل وعلا، بصيغة الجمع، وأنه كتاب مبارك، وأن من حِكَم إنزاله أن يتدبر الناس آياته، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها، حتى يفهموا ما فيها من أنواع الهدى، وأن يتذكر أولوا الألباب، أي يتعظ أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال.

وكل ما ذكره في هذه الآية الكريمة جاء واضحا في آيات أخر ...

وأما كون تدبر آياته، من حِكَم إنزاله، فقد أشار إليه في بعض الآيات، بالتحضيض على تدبره، وتوبيخ من لم يتدبره، كقوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وقوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وقوله تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ... " انتهى. "أضواء البيان" (7 / 33 – 34).

الأمر الثالث:

لأجل ما سبق ذكره من هذه السنة الماضية في السلف والصالحين؛ عقد الإمام أبو محمد الدارمي، رحمه الله، في "سننه" : (بابٌ: فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ)، وروى فيه طائفة من الآثار السلفية في تعظيم هذه العبادة، والاهتمام لشأنها.

فروى (3706) بإسناد فيه لين، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ وَضَعَ عَلَيْهِ الرَّصَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ خَتْمِهِ قَامَ فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ ".

وروى (3707) بإسناد كسابقه، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: " كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا أَشْفي عَلَى خَتْمِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، بَقَّي مِنْهُ شَيْئاً حَتَّى يُصْبِحَ، فَيَجْمَعَ أَهْلَهُ فَيَخْتِمَهُ مَعَهُمْ ".

وروى (3708) بإسناد صحيح، عن ثَابِتٍ البناني،  قَالَ: " كَانَ ‌أَنَسٌ إِذَا ‌خَتَمَ ‌الْقُرْآنَ، جَمَعَ وَلَدَهُ وَأَهَلَ بَيْتِهِ ‌فَدَعَا لَهُمْ ".

وروى (3709) بسند صحيح، عَنْ عَبْدَةَ بن أبي لبابة، قَالَ: " إِذَا خَتَمَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ بِنَهَارٍ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْهُ لَيْلاً، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ ".

وروى (37011) بسند صحيح، عَنِ سليمان الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ -النخعي- قَالَ: " إِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ نَهَاراً، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَرَأَهُ لَيْلاً، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ.

قَالَ سُلَيْمَانُ – هو الأعمش- : فَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَخْتِمُوهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَوَّلَ اللَّيْلِ ".

وأحوال السلف، وآثارهم في العناية بختم القرآن، وتعظيم شأن هذه العبادة: مشهورة، مستفيضة عنهم، ولا زال ذلك سبيل الصالحين في كل عصر ومصر.

الخلاصة:

لم يثبت في أجر ختم القرآن نص خاص، لكن من المؤكد أن لختمه فضل عظيم؛ لأنه سنة نبوية، وبه يدرك المسلم تدبر كل آيات القرآن، وقد أمرنا بتدبرها.

والله أعلم.
 

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android