هل رؤية الله في الآخرة حسية؟

السؤال: 565281

ما المقصود بقول العلماء إن رؤية الله تعالى في الآخرة حسية، وقد قرأت في موقعكم إنه لا يجوز وصف الله تعالى بالمكان الفعلي الحسي، أليس أهل السنة ينفون عن الله تعالى الوجود الحسي سبحانه، فأشكل عليه قولهم رؤية حسية؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولًا:

رؤية الناس لربهم في الآخرة ستكون رؤيةً بأعينهم التي يبصرون بها، وهي أعينهم التي في وجوههم.

فالمراد بالرؤية الحسية أننا نرى ربنا يوم القيمة بحاسة البصر، أي: بأعيننا، وهذا ما أخبرنا به ربنا تبارك وتعالى، وما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما أجاب به صلى الله عليه وسلم أيضًا حين سُئل عن رؤية الله تعالى يوم القيامة.

يقول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.

وروى البخاري (4581) ومسلم (182) أن ناسًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تُضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟) قالوا: لا يا رسول الله، قال: (هل تُضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟) قالوا: لا يا رسول الله، قال: (فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم ...) الحديث.

وروى البخاري (554)، ومسلم (633) عن جرير بن عبد الله، قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: (أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تُضامُون في رؤيته) الحديث، وهذا لفظ مسلم.

ومعنى (لا تُضامُون)؛ لا تزدحمون، أو: لا يصيبكم ضيمٌ، أي ضرر، كما في رواية (لا تُضارُّون) السابقة، كما شرح ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 446) والنووي في "شرح مسلم" (3/ 18).

وروى البخاري (7435) عن جرير بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم عيانًا)، أي: بأعينكم.

ثانيًا:

الذي سبق تقريره في الموقع في جواب السؤال: (195996) هو أن كلمة "الموقع الفعلي الحسي لله تعالى"؛ ليست مما يستعمله المسلمون في بيان اعتقادهم في الله تعالى، فكذلك نقول هنا في كلمة "المكان الحسي"!

وقد أكدنا في ذاك الجواب على أنه تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وأنه تعالى مستو على عرشه، وعرشه عز وجل فوق سماواته، قد أحاط بكل شيء علمًا.
وفيه شرحنا معنى علوه تعالى، وأن معناه أنه تعالى: (فوق المخلوقات كلها)، وأنه تعالى: (لا يحويه شيء من هذه المخلوقات، ولا يحتاج إلى شيء منها)، إلى آخر ما تجده في الجواب المذكور.

وفي الجواب المذكور أيضًا، نقل قول الشيخ ابن باز رحمه الله: "تحديد الجهة لا مانع منه، جهة العلو؛ لأن الله في العلو، وإنما يُشَبِّه بهذا بعض المتكلمين، وبعض المبتدعة، ويقولون: ليس في جهة.
وهذا كلام فيه تفصيل، فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة، وأنه ليس في داخل السماوات، وليس في داخل الأرض ونحوها - فهذا صحيح.

أما إن أرادوا أنه ليس في العلو فهذا باطل ، وخلاف ما دل عليه كتاب الله ، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وما دل عليه إجماع سلف الأمة ...".

وأما تنزيه الله تعالى عن المكان، أو إثبات المكان لله تعالى، فقد أجبنا عنه إجابة مفصَّلة في الجواب: (183941)، وذكرنا أن كلا من الإثبات والنفي ليس في القرآن ولا السنة، وأنه يجب معرفة المراد من المكان قبل النفي أو الإثبات، فإنَّ أهل البدع يطلقون القول بتنزيه الله عن المكان، وهم يريدون نفي علوِّه تعالى فوق خلقه، واستوائه على عرشه، وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة المتواترة، وإجماع المسلمين.

ثالثًا:

كذلك كلمة (الوجود الحسِّي) الواردة في السؤال، إن كان المراد بها أن الله تعالى لا يُرى بحاسة البصر، فلا يُرى بالأعين في الآخرة، فهذا باطل، وهو خلاف القرآن والسنة وإجماع الصحابة والسلف والأئمة، والذي في القرآن والسنة المتواترة إثبات رؤية المؤمنين لله تعالى بالأبصار في الآخرة كما سبق شرحه.

وهكذا: قد أسمع الله كلامه من شاء من عباده المكرمين، بحاستهم التي خلقها للسمع. ويكلمهم يوم القيامة بصوت يسمعه مَنْ بعُد كما يَسمعه مَن قَرُب. وإنما يسمعونه بـ"حاسة السمع" التي خلقها لهم.

فالله عز وجل موجود يراه المؤمنون في الآخرة، ويتكلم بصوت فيَسمع كلامه من شاء من خلقه، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، ويراجع للفائدة إجابات الأسئلة: (260884)، (144199)، (228372)، (226283).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android