حكم السجود على شيء ملبوس متصل بالمصلي
أولاً:
اختلف العلماء في حكم السجود على شيء من الملبوس المتصل بالمصلي كالعمامة، والخمار، والشماغ، والمشلح.
وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/87) أثارا سلفية عديدة عن "مَنْ كَانَ يَسْجدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا".
ثم روى (3/88) آثارا أخرى نحوها عن "مَنْ كَرِهَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ".
وترجم البخاري (1/86) على الرخصة في ذلك، إذا كان "لحاجة"، قال:
"بَابُ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ".
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (3/ 32):
"سجود الرجل على كور عمامته وعلى قلنسوته، وقد حكى الحسن عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه.
وممن روي عنه أنه كان يسجد على كور عمامته: عبد الله بن أبي أوفى، لكن من وجه فيه ضعف.
وروى عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يسجد على كور عمامته.
وقد خالفه من هو أحفظ منه كما سيأتي.
وروي عن عبد الله بن يزيد الأنصاري ومسروق وشريح السجود على كور العمامة والبرنس.
ورخص فيه ابن المسيب والحسن ومكحول والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق.
وكان عبد الرحمن بن يزيد يسجد على كور عمامة له غليظة، تحول بينه وبين الأرض.
وقد روي ذلك عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كان يفعله، من وجوه كلها باطلة، لا يصح منها شيء -: قاله البيهقي وغيره.
وروي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النهي عنه، من وجوه مرسلة، وفيها ضعف - أيضا.
وروي عن علي، قال: إذا صلى أحدكم فليحسر العمامة عن جبهته.
وكان عبادة بن الصامت يفعله.
وروى أيوب، عن نافع، أن ابن عمر كان لا يسجد على كور العمامة.
وروى عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر كان يحسر عن جبهته كور العمامة إذا سجد، ويخرج يديه، ويقول: أن اليدين تسجدان مع الوجه.
وكره ابن سيرين السجود على كور العمامة.
وعن عمر بن عبد العزيز ما يدل على ذلك.
وقال النخعي وميمون بن مهران: أبرز جبيني أحب إلي.
وقال عورة: يمكن جبهته من الأرض..." انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/111):
"ذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والحنابلة - إلى كراهة السجود على كور العمامة من حيث الجملة.
وقيدوا الكراهة بما إذا كان السجود على كور العمامة بدون عذر من حر أو برد أو مرض...
وشرط الحنفية لصحة السجود على المكور كون الكور الذي يسجد عليه على الجبهة أو بعضها، أما إذا كان على الرأس - فقط - وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض فإنه لا يصح سجوده؛ لعدم السجود على محله.
وقال المالكية: إذا كان كور العمامة فوق الجبهة، ومنعت لصوق الجبهة بالأرض: فباطلة. وإن كان الكور على الرأس وليس على الجبهة فإن كان الكور أكثر من الطاقتين (يعني: طبقتين) أعاد في الوقت...
وذهب الشافعية إلى أنه إن حال دون الجبهة حائل متصل به، ككور عمامته، أو طرف كمه، وهما يتحركان بحركته في القيام والقعود أو غيرهما: لم تصح صلاته بلا خلاف عندهم. ...
وإن سجد على ذيله أو كمه أو طرف عمامته، وهو طويل لا يتحرك بحركته فوجهان: الصحيح أنه تصح صلاته؛ لأن هذا الطرف في معنى المنفصل، والثاني: لا تصح به " انتهى.
ثانياً:
حكم سجود المرأة على طرف خمارها
إذا كانت هناك حاجة لسجود المرأة على طرف خمارها الذي تلبسه وترتديه: فلا حرج في ذلك، كأن تتأذى من رائحة السجاد أو مزكوم قد صلّت في مكانه، فالحاجة تُبيح السجود على الملبوس.
ومثله السجود على الثوب أو الغترة أو المشلح إذا كان لابسًا لها.
أما إن لم تكن هناك حاجة، فيُكره السجود على الملبوس المتصل بالجسد.
وأما السجود على حائل منفصل، كقطعة قماش أو سجاد يُوضع على الأرض، فلا بأس به مطلقًا.
ودليل ذلك:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كُنَّا نُصَلِّي مَع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في شِدَّة الحَرِّ، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ جبهتَه مِن الأرض؛ بَسَطَ ثوبَه فَسَجَدَ عليه رواه البخاري (385)، ومسلم (620).
فقوله: إذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ دَلَّ على أنَّهم لا يفعلون ذلك مع الاستطاعة، ثم التعبير بـ إذا لم يستطع؛ يدلُّ على أنه مكروه، لا يُفعل إلا عند الحاجة.
وعليه، فيجوز لك السجود على طرف الخمار إذا وجدتِ رائحة تؤذيك، أو تشوش عليك خشوعك في الصلاة، لأن ذلك يُعدّ من باب الحاجة.
وكذلك، إن كان هناك وباء ما، ينتشر بين الناس، وخفت من انتقال العدوى بتكرر السجود على مكان واحد، أو كانت هناك احتمال للتضرر أو التأذي من السجود على الأرض مباشرة، بسبب حروشة أرض المصلى، أو نحو ذلك؛ فلا بأس حينئذٍ بالسجود على الخمار، دفعًا للضرر، واعتبارًا بالحاجة.
أما إذا كان الدافع مجرد وهم أو وسوسة، وليس هناك ما يُرجّح وجود ضرر أو أذى حقيقي، فيُكره حينئذ السجود على الخمار؛ لأن الحاجة منتفية، والأصل تمكين الجبهة من الأرض مباشرة دون حائل ملبوس متصل.. إلا إذا كان حائلا منفصلا كالسجادة فيجوز حينئذ.
وينظر: جواب السؤال رقم: (27000)، (69855).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"ما حكم وضع طرف الشماغ على الأرض أثناء الصلاة، والسجود عليه لتجنب الأتربة والروائح الكريهة؟
فأجاب:
إذا كان هناك حاجة للسجود على الغترة أو الشماغ أو العباءة -المشلح- فلا بأس، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه وسجد عليه).
فإذا كانت الأرض مثلاً حارةً، أو فيها شوك، أو فيها حصى، ما يستطيع الإنسان أن يمكن جبهته؛ فلا حرج أن يضع طرف الغترة أو الشماغ أو المشلح ويسجد عليه.
أما بدون حاجة فإنه يكره.
وأما إذا سجد على شيء منفصل فهذا لا بأس به، مثلاً: إنسان معه منديل وأراد أن يسجد على الأرض ويضع المنديل فلا بأس". انتهى من "اللقاء الشهري" (49/28، بترقيم الشاملة آليا).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "شاهد بعض المصلين يضع طرف غترته تحت وجهه أثناء السجود فما حكم فعلهم هذا وفقكم الله؟
فأجاب: إذا كان هناك حاجة، كبرودة الأرض أو حرارتها أو وعورتها: فلا بأس بذلك، فقد كان أصحاب النبي ﷺ يفعلون ذلك عند الحاجة.
أما عند عدم الحاجة: فالأفضل ترك ذلك وأن يباشر المصلي المصلى بوجهه كما كان النبي ﷺ يفعل ذلك وأصحابه". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (11/158).
والله أعلم.