أولًا:
أصل البركة؛ الزيادة والنماء، وينظر "مقاييس اللغة" (1/ 230)، و"لسان العرب" (10/ 395).
فمعنى أن يبارك الله شيئًا من الأشياء: أن يجعل اللهُ تعالى هذا الشيءَ سببًا يحصل به زيادة خيرٍ ونفعٍ للعبيد. والخير قد يكون دينيًّا أو دنيويًّا، فإن "البركة تتناول البركة في الدين، والبركة في الدنيا"، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" (27/ 44).
والبركة بقسميها، الدينية والدنيوية، قد تكون حسيَّةً أو معنويةً، وينظر للتوسع: "التبرك أنواعه وأحكامه" لناصر الجديع، (ص43).
وأما تقسيم البركة إلى معنوية غير منتقلة، وذاتية منتقلة، ثم قصر الذاتية المنتقلة على ما يتعلق بجسد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فليس من مشهور كلام أهل العلم.
وقد بارك الله تعالى في بعض الأماكن كمكة والمدينة، وبعض الأزمنة كليلة القدر، وبعض الطعام كالسحور، وبارك ماء زمزم، وبعض المخلوقات كالنخل والخيل والمطر، وجعل القرآن كتابًا مباركًا، وغير ذلك مما بين الله تعالى أنه بارك فيه أو بيَّنه رسوله صلى لله عليه وسلم، ومعنى البركة فيها: أنها أسبابُ خيرٍ ونفعٍ ورزقٍ للخلق.
ومن بركات الله الدنيوية ما يصل إلى عموم الخلق، مؤمنهم وكافرهم، كبركة المطر، كما قال الله تعالى في سياق إقامة الحجة على الكفار المكذبين بالبعث: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ، فبيَّن تعالى أن ماء المطر مبارك، وأن من بركته أنه سبب رزق العباد، ومنهم هؤلاء الكفار، وذلك أن الله يمدُّ كلا من الكفار والمؤمنين ويرزق الجميع.
وكذلك قد تكون البركة خيرًا ونفعًا دينيًا خاصًّا بالمؤمنين، كمضاعفة الثواب على العمل الصالح في المكان المبارك والزمان المبارك خاصة، ومضاعفة الثواب على قراءة القرآن، ونحو ذلك.
ثانيًا:
التبرك هو طلب بركة الشيء المبارَك، أي: قصد تحصيل منفعته وخيره.
والتبرك بالأشياء التي جعلها الله تعالى سببًا للخير والنفع والبركة؛ إنما يكون على الوجه المتناسب مع سنن الله تعالى الشرعية والكونية، فهذه الأشياء المباركة أسباب للنفع، والأسباب منها كونية لا تختص بالمسلمين، ومنها شرعية تختص بهم، كما بيناه في جواب السؤال: (179441).
وماء زمزم؛ ماء مبارك، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلَّم، فقد دلت الأحاديث الصحيحة أن الله تعالى قد بارك ماء زمزم، فجعل فيه من الخيرِ للعباد والنفعِ لهم ما لم يجعله في غيره من المياه، وقد اتفق المسلمون على بركة ماء زمزم وشرفه وفضله.
وقد بيَّنَت السنَّةُ أنَّ ماء زمزم سبب شرعيٌّ لنفع المؤمنين، وأنه أيضًا سبب كونيٌّ لنفع عموم العباد، وورد في ذلك أحاديث وآثار، وبها يتبين فضل ماء زمزم وأوجه تحصيل بركته، فمنها:
1- ما رواه مسلم (2473) في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه وخروجه للقاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد مكث في مكة شهرًا، فسأله النبيُّ صلى الله علي وسلم قال: (فمَن كان يُطعِمك؟) فقال أبو ذرٍّ: ما كان لي طعامٌ إلا ماء زمزم، فسمِنْت حتى تكسرت عُكَن بطني، وما أجد على كبدي سَخْفة جوعٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها مباركة، إنها طعامُ طُعْمٍ).
ففي الحديث أن زمزم ماءٌ مشبِع كالطعام، وأن هذا مما يناله عموم الخلق، كما هو ظاهر؛ فأبو ذر لم يكن قد آمن في هذا الوقت بعد.
2- وفي رواية أبي داود الطيالسي في "المسند" (459) لنفس القصة -قصة إسلام أبي ذر-: (إنها مباركة، وهي طعام طُعْم، وشفاء سُقْم)، فهذا فيه أن ماء زمزم مبارك في نفسه، وأنه سبب للشفاء أيضًا، وهذه البركة تحصل للمؤمن والكافر كذلك، كما حصل لأبي ذر وهو كافر. وينظر للفائدة جواب السؤال: (147779).
3- ومنها حديث: (ماء زمزم لما شُرِبَ له)، رواه أحمد (14849)، وابن ماجه (3062)، وصححه الشيخ الألباني.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "مرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق؛ يصلح للاحتجاج به"، انتهى من جزء "ماء زمزم لما شرب له" (ص270- ط البشائر).
ومعنى (لما شرب له) أي: "مِن أجْلِه"، كما فسَّره الحافظ في آخر الجزء المذكور (ص 275)، وفسره كذلك بقول مجاهدٍ رحمه الله: " زمزم لما شربت له، إن شربته تريد الشفاء شفاك الله، وإن شربته تريد أن يقطع ظمأك قطعه، وإن شربته تريد أن تشبعك أشبعتك. هي هَزْمة جبريل، وسقيا الله إسماعيل"، انتهى.
4- ومما يدل على فضل زمزم، وأنها قد تحصل بغير الشرب: أن به غسَلَ جبريلُ صدرَ النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة شق صدره الشريف، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فُرِجَ سقفي وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام، ففَرَجَ صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطَسْتٍ من ذهب، ممتلئٍ حكمةً وإيمانًا، فأفرغها في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرَج إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل)، رواه البخاري (1636)، ومسلم (162)، واللفظ للبخاري.
5- ومما يشهد أن بركة الشفاء التي جعلها الله تعالى في زمزم قد تحصل بغير الشرب أيضًا:
ما رواه البخاري (3261) من طريق همام، عن أبي جمرة الضبعي قال: "كنت أجالس ابن عباسٍ بمكة فأخذتني الحُمَّى، فقال: أبردها عنك بماء زمزم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال (الحمَّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء) أو قال: (بماء زمزم)، شكَّ همامٌ"، انتهى.
وقد روى البخاري (3263)، ومسلم (2210) من حديث عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمى من فيح جهنم؛ فأبردوها بالماء)، وروى البخاري (5723) ومسلم (2209) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء).
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بالماء في هذين الحديثين؛ هو ماء زمزم خاصةً من بين المياه، من أجل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فهي عندهم من خصائص ماء زمزم، لأنه (شفاء سُقْم) كما في الحديث الآخر.
وهو ما ذهب إليه الطحاوي كما في "مشكل الآثار" (5/ 111)، وابن حبان كما في "صحيحه" (13/ 431 – الإحسان).
وأما غيرهم من العلماء فيرى عدم خصوصية زمزم بذلك، وهو الأشهر والأظهر، وهو ما صححه ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 27).
6- وروى الإمام أحمد في المسند (15243) أن النبي صلى الله عليه وسلم في حَجَّته صلى ركعتين بعد الطواف ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصَبَّ على رأسه.
وصححه محققو المسند، والشيخ الألباني في "حجة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 56).
7- ومما جاء عن الصحابة ما رواه الفاكهي في "أخبار مكة" (1096) بإسناده إلى عبَّاد بن عبد الله بن الزبير قال: لما حجَّ معاوية رضي الله عنه حجَجنا معه، فلما طاف بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم مرَّ بزمزم وهو خارج إلى الصفا، فقال: "انزع لي منها دلوًا يا غلام"، قال: فنزع له منها دلوًا، فأتى به، فشرب منه، وصبَّ على وجهه ورأسه، وهو يقول: "زمزم شفاءٌ، هي لما شرب له"، انتهى.
وساقه الحافظ ابن حجر في "جزء ماء زمزم" (ص269)، ثم قال: "هذا إسناد حسن مع كونه موقوفًا، وهو أحسن من كل إسنادٍ وقفتُ عليه لهذا الحديث"، انتهى.
هذا؛ وقد بوَّب ابن أبي شيبة في "كتاب الطبّ" من "المصنف" (12/ 153)، فقال: "من كان يقول: ماء زمزم فيه شفاء"، ثم روى فيه قول مجاهدٍ: "ماء زمزم شفاء لما شرب له"، وروى عن عطاءٍ وقد سئل عن الخروج بماء زمزم من الحرم، فقال: "انتقلَ كعبٌ بثنتي عشرة راوية إلى الشام، يستشفون بها".
وبوَّب أبو نعيم الأصفهاني في "الطب النبوي" (2/ 669) فقال: "المياه التي يتعالج بها كلها؛ خيرها زمزم".
وقال ابن القيم رحمه الله عن ماء زمزم:
"سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرا، وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنا، وأنفسها عند الناس، وهو هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل.
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر، وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة، ليس له طعام غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها طعام طعم) وزاد غير مسلم بإسناده (وشفاء سقم) ...
وقد روينا عن عبد الله بن المبارك، أنه لما حج، أتى زمزم، فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماء زمزم لما شرب له)، وإني أشربه لظمأ يوم القيامة.
وابن أبي الموالي ثقة، فالحديث إذا حسن، وقد صححه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعًا، وكلا القولين فيه مجازفة.
وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرَأْتُ بإذن الله، وشاهدتُ من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبًا من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعًا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يومًا، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم ويطوف مرارا"، انتهى من "زاد المعاد" (4/ 361) مختصرًا.
ثالثًا:
تبيَّن بما سبق: أن التبرك بماء زمزم هو قصدُ تحصيل ما جعله الله فيه من خيرٍ ونفعٍ للعباد، وأن التبرك به مأثور، قد دلَّت عليه الأحاديث، وفعلَه السلفُ والأئمة، وحاصل الوارد من طرق تحصيل بركات زمزم ثلاثة أمور:
(1) شرب زمزم بقصد التقوت به كالطعام.
(2) واستعماله للاستشفاء به، بالشرب، أو غير الشرب؛ باستعماله في البدن كله، ويُستشفى به من الحمَّى وغيرها، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وشفاء سقم)، فما عُلم بالتجربة أن زمزم نافعٌ في الاستشفاء منه؛ جاز استعمال زمزم في الاستشفاء به منه، فهو في ذلك نظير العسلِ، أو الحبة السوداء، وقد جعلهما الله سببًا للشفاء، ولم يحصَر الاستشفاء بهما في استعمال مخصوص، وينظر للفائدة جواب السؤال: (154257)، و(114167)، و(161033).
مع التنبه إلى أن السبب قد لا يؤثر، لوجود مانعٍ، أو لعدم تحقق شرطٍ من شروط وجود الأثر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"كثير من الناس لا تنفعه الأسباب، ولا الرقية بالقرآن ولا غيره؛ لعدم توافر الشروط، وعدم انتفاء الموانع، ولو كان كل مريض يشفى بالرقية أو بالدواء لم يمت أحد، ولكن الله سبحانه هو الذي بيده الشفاء، فإذا أراد ذلك يسَّر أسبابه، وإذا لم يشأ ذلك لم تنفعه الأسباب"، انتهى من "مجموع فتاويه" (8/ 61).
(3) ويكون التبرك بزمزم كذلك بشربه مع قصد تحصيل نفعٍ وخير مخصوص من الشارب.
قال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله عن بركة زمزم:
"فمن بركتها: أن يكون شرب مائها سببًا في حصول ما يرجوه المسلم بذلك، ومن المعلوم أن أي سبب فإنه يتوقف أثره على وجود شروط، وانتفاء موانع، فلا بد من ملاحظة ذلك هنا، وينبغي أن يعلم أن ما يُطلب به ماء زمزم:
1- منه ما هو فيه سبب مباشر، كالغذاء والشفاء، فالسببية هنا كونية، وشرعية.
2- ومنه ما يتوقف حصوله على أسباب أخرى كونية وشرعية؛ كالعلم النافع، والرزق الواسع، وحفظ القرآن، والعمل الصالح، ومغفرة الذنوب، ودخول الجنة، وشربُ ماء زمزم بنية هذه المطالب، إيمانًا واحتسابًا؛ سببٌ شرعيٌّ، وقد دلَّت الآثار على أنه ينبغي أن لا يُكتفَى في هذه المطالب بمجرد النية القلبية، بل تقرن بسؤال الله ما شُرب له ماء زمزم"، انتهى.
هذا؛
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله عن حكم شرب زمزم بنية مغفرة الذنوب، وتغسيل الأكفان به لبركته، وما حدود التبرك بزمزم في الدنيا والآخرة؟
فأجاب حفظه الله:
"الحمد لله، ثبت في صحيح مسلم [رقم2473] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماء زمزم: (إنها مباركة، إنها طعام طعم)، زاد الطيالسي [1/364] والبيهقي [5/147]: (وشفاء سقم)، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ماء زمزم لما شرب له).
فظاهر الحديث الصحيح، وهو الحديث الأول؛ أن ما فيه من الشفاء لا يختص بالشرب؛ لأن قوله: (وشفاء سقم) مطلقٌ، وإن كان سبب الحديث قصة أبي ذر عندما مكث أيامًا لا طعام له ولا شراب إلا ماء زمزم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويشبه هذا قوله تعالى في العسل: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل: 69]، وقد عُلِم بالتجربة أن ما في العسل من شفاءٍ لا يختصُّ بشربه.
ويشهَد لعدم اختصاص ما في زمزم من البركة والشفاء بشربه؛ ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي جمرة الضبعي قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة، فأخذتني الحمى، فقال: أبردها عنك بماء زمزم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء" أو قال: "بماء زمزم" شك همام.
فتبين أنه يشرع الاستشفاء بماء زمزم شربًا، واغتسالًا، ولا سيما للحمى، وقد جاء عن الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله [ص447] قال: "ورأيته غير مرة يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه".
وأما ما يفعله بعضُ الناس من غسل ما يقصد بتكفين الموتى بماء زمزم؛ فلا أصل له.
والواجب الاقتصار على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح في هذه المسألة وغيرها، والله أعلم"، انتهى.
رابعًا:
ماء زمزم؛ ماء طهور، وهو شريف مبارك، وقد كره بعض الفقهاء استعماله في إزالة النجاسة ونحوه لتشريفه وتكريمه، وخالفهم غيرهم فلم يقولوا بالكراهة، وينظر جواب السؤال: (410652).
وكذلك للعلماء قولان في حكم الوضوء والغسل بماء زمزم، هل يكره أم لا؟ وهما روايتان عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 16):
"ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم؛ لأنه ماء طهور، فأشبه سائر المياه.
وعنه [أي: الإمام أحمد]: يكره ... ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة، أشبه إزالة النجاسة به... والأول: أولى ... وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله، كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفَّه، أو اغتسل منه"، انتهى باختصار.
والمقصود: أنَّ بعض أهل العلم يحرص على ذكرِ (جواز استعمال ماء زمزم في الوضوء والاغتسال والتطهر)، تنبيهًا على أن زمزم ماء طهور، لا يكره استعماله في شيء من ذلك، فهذا من أجل المسألة الفقهية، وليس من أجل التبرك كما ورد في السؤال.
وقد سئل الشيخ ابن باز عن حكم الاستنجاء بماء زمزم، فأجاب رحمه الله:
(ماء زمزم قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه ماء شريف مبارك، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم: إنها مباركة، إنها طعام طعم ...
والسنة: الشرب منه، كما شرب النبي صلى الله عليه وسلم منه.
ويجوز الوضوء منه والاستنجاء، وكذلك الغسل من الجنابة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه، ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء؛ ليشربوا ويتوضئوا، وليغسلوا ثيابهم، وليستنجوا، كل هذا واقع.
وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن فوق ذلك، فكلاهما ماء شريف، فإذا جاز الوضوء، والاغتسال، والاستنجاء، وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، فهكذا يجوز من ماء زمزم.
وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه، ولا حرج في الوضوء منه، ولا حرج في غسل الثياب منه، ولا حرج في الاستنجاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما تقدم"، انتهى باختصار من "فتاويه" (10/ 27).
فهو ينبِّه على جواز استعمال زمزم، كاستعمال سائر المياه الطاهرة بلا كراهة، وهو أحد قولي أهل العلم كما سبق، وليس ذلك من أجل التبرك كما قد يُظن.
خامسًا:
أما ما ورد في السؤال من غسل الثياب بماء زمزم بقصد التبرك؛ فأكثر أهل العلم يمنعه؛ إذ لا أصل له، وفي التقيد بالوارد احتياط حسنٌ، وسبق نحو ذلك عن الشيخ عبد الرحمن البراك، فالأولى ترك ذلك لعدم وروده، والاقتصار على الوارد، وقد سبق أن الوارد هو التبرك بماء زمزم بالشرب والاستعمال في البدن، حسب.
والله أعلم.