0 / 0
1,09719/شوال/1446 الموافق 17/أبريل/2025

هل يأثم بتناول الأطعمة المضرة بالصحة؟

السؤال: 563518

أنا أدرس طب، وأخذنا مادة علم الأورام، فأدركت بأن كل ما نأكله مضر بالصحة، فالفواكه والخضر تستعمل فيها المبيدات، وكذا النشويات التي لا نستغني عنها في البيت، والسكريات، وما إلى ذلك، أحاول على قدر استطاعتي تجبنها، لكن الأكل الصحي في وقتنا مكلف جدا، ولا أستطيع تحمل التكلفة، فهل أأثم لعلمي بأضرار هذه المأكولات على صحتي، لكني لازلت أتناولها ؟

ملخص الجواب

 ما فيه ضرر عام محقق يحرم تناوله، أو فيه ضرر خاص بشخص معين، فيحرم عليه، وما فيه ضرر غير محقق، لا يحرم، وكذا ما كان الضرر فيه يسيرا، أو يزول بأطعمة أخرى، فهذا لا يقال بتحريمه.

موضوعات ذات صلة
الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

الأصل تحريم تناول ما يضر بالإنسان، كالسموم، والدخان، وغير ذلك مما ثبت ضرره المحقق.

قال الشيخ زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 569): " قوله: (يحرم ما يضر كالحجر والتراب والطين) : قطع في المهذب بتحريمه، وكذا القفال والقاضي حسين والفخر الرازي وجماعة . وقال إبراهيم المروذي: ينبغي القطع بالتحريم إن ظهرت المضرة.

وقال السبكي في باب الربا من شرحه للمنهاج: لا يحرم أكل الطين؛ لأنه لم يصح فيه حديث ؛ إلا أن يضر بكثرته ، فيحرم" انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (6/189): " (ولا) يباح كل (ما فيه مضرة من السموم وغيرها) لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة: 195]... (وفي التبصرة: ما يضر كثيره، يحل يسيره)، فيباح يسير السقمونيا والزعفران ونحوها، إذا كان لا مضرة فيه؛ لانتفاء علة التحريم" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"الدليل على تحريم ما فيه مضرة : من القرآن، والسنَّة :
فمن القرآن : قال الله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة/ 195 ، وقال عزّ وجل : ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) النساء/ 29 ، والنهي عن قتل النفس نهيٌ عن أسبابه أيضاً ، فكل ما يؤدي إلى الضرر: فهو حرام .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا ضرر ولا ضرار ) ، وربما يستدل له أيضاً بقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) المائدة/ 6 ، ووجه ذلك : أن الله تعالى أوجب التيمم على المريض حمايةً له عن الضرر ، فعدل به عن الماء الذي قد يتضرر باستعماله في البرد والمرض ونحوهما إلى التيمم" انتهى من "الشرح الممتع" (15/12).

وكذلك يحرم تناول ما كان يضر بآكله خاصةً؛ كما لو منع المريض من طعام معين لضرره عليه، فيحرم عليه -بخصوصه هو- : أن يتناوله.

قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: " بعض الأطعمة تحل لشخص، وتحرم على الآخر. لو قيل لرجل مصاب بالداء السكري: لا تأكل التمر، ولا الحلوى: صار التمر، والحلوى حراماً عليه؛ لأنها تضره، ووجب عليه اجتنابها، وهي حلال للآخرين" انتهى، من "لقاء الباب المفتوح" (229/ 7).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (262143).

ثانيا:

إذا كان الطعام في أصله نافعا، لكن خالطه ما يحصل الضرر بالإكثار منه، كالزروع التي تستعمل فيها المبيدات ونحوها، وكالدقيق والسكر والشاي والقهوة، وغير ذلك مما يترتب عليه الضرر بالإكثار منه، فلا يطلق القول بالتحريم، ولكن يقيد ذلك بمن أكثر منه، أو بمن كان الضرر في حقه محققا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" قوله: لا مضرة فيه: خرج بذلك الطاهر الذي فيه مضرة، فالطاهر الذي فيه مضرة لا يجوز، بل هو حرام، وسواء كانت المضرة في عينه، أو في غيره.

في عينه: كالسُّم، فالسم ضرره في عينه، وكذلك الدخان فإنه ضارٌّ في عينه، وضرره مُجمعٌ عليه بين الأطباء اليوم، لا يختلف في ذلك اثنان منهم؛ لما يشتمل عليه من المواد السامة المفسدة للدم.

والضارُّ في غيره: مثل أن يكون هذا الطعام لا يلتئم مع هذا الطعام، بمعنى أنك إذا جمعتَ بين الطعامين: حصل الضرر، وإذا أكلتهما على انفرادٍ لم يحصل الضرر، ومن ذلك الحمْية للمرضى، فإن المريض إذا حُمي عن نوع معينٍ من الطعام، وقيل له: إن تناوله يضرك: صار عليه حرامًا ...

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وإذا خاف الإنسان من الأكل أذًى أو تخمة: حَرُمَ عليه"

فإذا قال الإنسان: أنا إذا ملأتُ بطني من هذا الطعام: فإنه سيحتاج إلى ماء، فإذا أضفتُ إليه الماء: فلا أكاد أمشي، وأتأذى، فإن جلست: تأذيت، وإن ركعتُ: تأذيت، وإن استلقيت على ظهري: تأذيت، وإن انبطحت على بطني: تأذيت، وفي هذا يقول شيخ الإسلام: "إذا خاف الأذية: فإنه يحرم عليه الأكل". وما قاله رحمه الله: صحيح؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأكل ما يؤذيه، أو يلبس ما يؤذيه، أو يجلس على ما يؤذيه، حتى الصحابة رضي الله عنهم في السجود، كانوا إذا أذاهم الحر يبسطون ثيابهم، ويسجدون عليها؛ لئلا يتأذوا؛ ولأجل أن يطمئنوا في صلاتهم.

وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام خوفَ الأذية والتُّخمة ممَّا ضرره في غيره، وهو الإكثار، يعني هو بنفسه ليس بضار، لكن الإكثار منه يكون ضاراً مؤذياً، حتى وإن لم يتضرر، لكن الظاهر لي من الناحية الطبية أنه يتضرر؛ لأن المعدة إذا ملأتها سوف تتأذى وتتعب، وقد قيل: إن من الأمور المهلكة: إدخال الطعام على الطعام، فإذا صح ذلك كان -أيضاً- حراماً؛ لأن الله يقول: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا النساء/29.

ولا يبعد أن يكون هذا صحيحاً، وهو أمر مجرَّب" انتهى، من "الشرح الممتع" (15/ 9 - 11).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (118268).

والحاصل:

أن ما فيه ضرر عام محقق يحرم تناوله، أو فيه ضرر خاص بشخص معين، فيحرم عليه.

وما فيه ضرر غير محقق، لا يحرم. وكذا ما كان الضرر فيه يسيرا، أو يزول بأطعمة أخرى، فهذا لا يقال بتحريمه؛ لأن الأصل الحل، ولأن أكثر الأطعمة لو فتش فيها اليوم، لوجد فيها شيء من الضرر، فالقول بتحريم تناولها فيه حرج عظيم، ولا قائل به، والحمد لله.

والله أعلم.
 

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android