أولًا:
اسم الفاعل من الأسماء التي تعمل عملَ الفعل إذا تحققت شروط عمله.
قال جمال الدين بن هشام النحوي رحمه الله، وهو يعدُّ الأسماء التي تعمل عمل الفعل:
" واسمُ الفاعلِ، كضاربٍ ومُكْرِمٍ؛ فإن كان بـ"ال"؛ عَمِلَ مطلقًا. أو مجرَّدًا؛ فبشرطينِ: كونُه حالًا أو استقبالًا، واعتمادُه على نفيٍ، أو استفهامٍ، أو مُخْبَرٍ عنه، أو موصوفٍ"، انتهى من "قطر الندى" (ص20).
وقال الدكتور عبد الله الفورزان في شرحه:
"النوع الثالث من الأسماء العاملة عمل الفعل (اسم الفاعل) ... وهو يعمل عمل فعله، فإن كان لازمًا؛ رفع الفاعلَ، وإن كان متعدِّيًا؛ رفع الفاعل ونصب المفعول".
ثم قال: "واسم الفاعل لا يخلو من حالين؛ الأولى: أن يكون مقترنًا بـ (ال).
الثانية: أن يكون مجرَّدًا منها.
فإن كان مقترنًا بأل عمل بلا شرط، نحو: الكاتمُ سرَّ إخوانه محبوبٌ، فـ (الكاتمُ) مبتدأ. وفيه فاعلٌ مستترٌ. (سرَّ) مفعول به لاسم الفاعل (محبوبٌ) خبر المبتدأ.
وإن كان مجردًا؛ عَمِلَ عَمَلَ فعلِه بشرطين:
الأول: أن يكون للحال أو الاستقبال.
الثاني: أن يعتمد على نفي، أو استفهام، أو على مبتدأ، وهو المراد بقوله: (أو مخبرٍ عنه).
أو يعتمد على موصوف، وذلك بأن يقع اسمُ الفاعل خبرًا عن المبتدأ أو صفةً"، انتهى مختصرًا من "تعجيل الندى بشرح قطر الندى" (ص 269).
وقد نبه في الحاشية، تعليقا على الشرطين المذكورين، فقال:
"لكن ينبغي أن يُعلَم أنَّ وجود هذين الشرطين لا يوجِب عملَه، بل تجوز إضافتُه إلى مفعولِه، كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه فقد قرأ حفصٌ بالإضافة. وقرأ الباقون بالتنوين ونصب (أمرَه) على المفعولية، قال مكي: (وهما لغتان في إثبات التنوين في اسم الفاعل، إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، وحذفه. وقد مضى له نظائر) انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع" (2/239، 324) ، انتهى.
ثانيًا:
الآيتان المسئول عنهما، هما:
الآية الأولى: قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ من سورة السجدة.
و(ناكسو) اسم فاعل بغير ألف ولام، وحذفت النون منه لإضافته إلى مفعوله (رءوسِهم).
ويجوز لغةً: إعمالُه أيضًا، كما سبق شرحه، لتحقق الشرطين فيه، فيجوز لغةً (ناكسونَ رءوسَهم).
لكن هذا الجواز من حيث اللغة فقط، ولم يُقرأ هذا الموضع من القرآن إلا بوجه واحد، وهو إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله.
فقد تحقَّقَ الشرط الأول، وهو كون اسم الفاعل للاستقبال، فالآية تَذكر ما سوف يكون يوم القيامة، وتحقَّقَ الشرط الثاني، إذ اعتمد اسم الفاعل على (مخبَرٍ عنه)، وهو المبتدأ الْمُجْرِمُونَ، فوقعَ اسمُ الفاعل خبرًا له.
وسبق التنبيه أن اللغتين جائزتان: إعمال اسم الفاعل، وإضافته إلى مفعوله.
والآية الثانية: قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا من سورة الفتح.
وفيها اسم الفاعل المجرد من الألف واللام مُحَلِّقِينَ، قد عمل عمل الفعل، فنصب مفعوله رُءُوسَكُمْ، إذ تحقق ههنا الشرطان أيضًا.
فالآية - وقت نزولها – دالة على الاستقبال، واعتمد اسم الفاعل على مخبَر عنه، إذ وقع حالًا من واو الجماعة في لَتَدْخُلُنَّ، والحال في معنى الصفة، والواو محذوفة منعًا من التقاء الساكنين.
ومما قرئ من القرآن بالوجهين أيضًا:
قوله تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ.
ففي بعض القراءات المتواترة" كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ و مُمْسِكَاتٌ رَحْمَتَهُ.
قال الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله:
"كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ، مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ: قرأ البصريان: بتنوين كاشفات ونصب راء ضرَّه، وتنوين ممسكات ونصب تاء رحمتَه، والباقون: بترك التنوين فيهما، وجرِّ الراءِ والتاء"، انتهى من "البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة" (ص 276).
فقراءة التنوين في الكلمتين؛ جاءت على إعمال اسم الفاعل عملَ فِعْله، ويكون الاسم المنصوب بعدهما: مفعولًا به منصوبًا، وهي قراءة متواترة قرأ بها البصريان من القراء العشرة، وهما: أبو عمرو بن العلاء، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي.
فالحاصل:
أن اختلاف الإعراب في الآيتين المسئول عنهما، سببه جواز الوجهين في لغة العرب، فيجوز – إذا تحققت الشروط - أن يضاف اسم الفاعل إلى مفعوله، كما في الآية الأولى، وهي آية سورة السجدة، كما يجوز أن يعمل عمل الفعل فينصب مفعولَه، كما في الآية الثانية وهي آية سورة الفتح.
وقد قرئ بالوجهين جميعًا في آيات أخرى، في القراءات المتواترة، فكل ذلك جائز.
لكن حيث ذكرت "النون"، أو التنوين: تعين نصب ما بعدها على المفعولية.
وحيث حذفت النون أو التنوين: كان ما بعدها مجرورا بالإضافة.
وهذا بحث نحوي، لا غرابة فيه، ولا إشكال.
والله أعلم.