أولا:
إذا أوترت بخمس أو سبع ركعات متصلة، فإنك تجلس للتشهد في الركعة الأخيرة فقط.
لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعةً، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم (737).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بخمس وبسبع، ولا يفصل بينهن بسلام ولا كلام" رواه أحمد (6/290)، النسائي (1714)، وقال النووي: سنده جيد. "الفتح الرباني" (2/297)، وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
وأما إذا أوترت بتسع ركعات، فإنها تكون متصلة أيضا، لكن تجلس للتشهد في الثامنة، ثم تقوم ولا تسلم، وتتشهد في التاسعة وتسلم؛ لما روته عائشة رضي الله عنها كما في مسلم (746): "أن النبي صلى الله كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا".
وكل الخمس أو السبع أو التسع تسمى وترا وليس جمعا بين الشفع والوتر.. فالشفع ما كان ركعتين ركعتين، منفصلا عن الوتر.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها , فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) وهو حديث صحيح.
ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس , وسننه كلها حق، يصدق بعضها بعضا , فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها ( مَثْنَى مَثْنَى )، ولم يسأله عن الوتر.
وأما السبع والخمس والتسع والواحدة : فهي صلاة الوتر ، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة , كالمغرب اسم للثلاث المتصلة.
فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة، كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى ).
فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم، وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً " انتهى من "إعلام الموقعين" (2/424).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية : فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع: لم يجلس إلا في آخرها ، وإن أوتر بتسع، جلس عقب الثامنة، فتشهد ، ثم قام قبل أن يسلم، فيصلي التاسعة ، ثم يتشهد ويسلم" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/262).
وقد سبق بيان كيفية صلاة الوتر مفصلاً في الموقع فيحسن الرجوع إليه: (46544).
ثانياً:
أما القراءة في صلاة الوتر في حال صلى أكثر من ثلاث ركعات، فإنه يقرأ بسورة مع الفاتحة في جميع الركعات، ثم يقرأ ما تيسر معه من القرآن.
وإن قرأ في الثلاث الأخيرة منها بسبح والكافرون والإخلاص: فحسن.
وإن قرأ بغيرها، فالأمر واسع، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بركعة الوتر، حين أوتر بركعة: بالفاتحة، وآيات من سورة النساء.
فعن أبي مجلز أن أبا موسى:"كان بين مكة والمدينة فصلَّى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه، وأن أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه النسائي (1728)، وصححه الألباني
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27/298):
"ما يقرأ في الوتر: اتفق الفقهاء على أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر: الفاتحة وسورة.
والسورة عند الجمهور سنة...
ثم ذهب الحنفية إلى أنه لم يوقت في القراءة في الوتر شيء غير الفاتحة، فما قرأ فيه فهو حسن" انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"ويسن في الأولى قراءة سبح، وفي الثانية الكافرون، وفي الثالثة الإخلاص والمعوذتين؛ للاتباع. وقضيته: أن ذلك إنما يسن إن أوتر بثلاث؛ لأنه إنما ورد فيهن...
وقال البُلقيني: ومن أوتر بأكثر من ثلاث موصولة: لم يقرأ ذلك في الثلاثة؛ أي لئلا يلزم خلو ما قبلها عن سورة، أو تطويلها على ما قبلها أو القراءة على غير ترتيب المصحف أو على غير تواليه وكل ذلك خلاف السنة. اهـ.
وتعقبه الهيتمي بقوله: نعم يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس مثلا المطففين والانشقاق في الأولى، والبروج والطارق في الثانية وحينئذ لا يلزم شيء من ذلك" انتهى "تحفة المحتاج" (2/ 227).
وقال الدمياطي رحمه الله:
"ولو أوتر بأكثر من ثلاث قرأ في الثلاثة الأخيرة ما ذُكر-سبح والكافرون والمعوذات والإخلاص- فيما يظهر" انتهى من "إعانة الطالبين" (1/ 290).
وخلاصة القول: أنه في حال أوترت بخمس أو سبع، فإنك تقرأ في كل ركعة سورة مع الفاتحة، وإن جعلت سبح والكافرون والإخلاص في آخرها: فهو حسن.
والله أعلم.