أولا:
الأَمَلُ: الرَّجاءُ، تقول: أَمَلْتُهُ آمُلُهُ، وأَمَّلْتُه أؤمّله تأميلا.
والأمل: هو رجاء ما تحبه النفس، من طول عمر، وزيادة غنىً.
وهو قريب المعنى من التمني.
وقيل: الفرق بينهما أن الأمل ما تقدم له سبب، والتمني بخلافه...
ويقال: الأمل إرادة الشخص تحصيل شيء يمكن حصوله؛ فإذا فاته: تمناه". انظر: "العين" (8/ 347) و"فتح الباري" لابن حجر (11/ 236).
والأمل المحمود: هو نظرة إيجابية للمستقبل، لتحقيق الأهداف والطموحات.
ويكون مقترنا بحسن الظن بالله، بان يحققها على أحسن وجه. وهذا أمر صالح، من معالي الأخلاق، وهو محفز للعمل والإنتاج سواء في الأمور الدينية أو الدنيوية.
فلا زال هدي النبي صلى الله عليه وسلم بث الأمل وجعله حافزا على العمل.
ففي أحلك الظروف حال الجوع والخوف في حصار غزوة الأحزاب عند حفر الخندق، يبشر الصحابة بفتح فارس والروم والشام وصنعاء كما في حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم وهو يكسر الصخر عند الحفر: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ثم قال: بسم الله وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا رواه أحمد (18694).
ويبعث الأمل بانتشار الخير والأمان في أحلك المواقف فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون رواه البخاري (3416).
والنصوص في هذا كثيرة جدا.
والأمل الفطري: مطلوب ومحفز للخير ولا يلام أحد عليه.
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
"وفي الأمل سر لطيف: لأنه لولا الأمل ما تهنأ أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا وإنما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته" "فتح الباري" لابن حجر(11/ 237).
ثانيا:
أما طول الامل المذموم الذي يلام عليه المرء عليه: فهو التعلق بالدنيا ونسيان الأخرة، وجعل الدنيا همه وغايته بحيث تشغله عن الطاعات والاستعداد لآخرته.
وهو الذي ذمه الله تعالى بقوله: ويُلهِهِمُ الأَملُ الحجر/ 3.
قال القرطبي رحمه الله: "أي يشغلهم عن الطاعة". "تفسير القرطبي" (10/ 2)
وقال ابن كثير رحمه الله: (ويُلهِهِمُ الأَملُ) "أي: عن التوبة والإنابة" "تفسير ابن كثير" (4/ 526).
وقال السعدي رحمه الله:
«وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ أي: يؤملون البقاء في الدنيا، فيلهيهم عن الآخرة» «تفسير السعدي" (ص429):
فطول الامل المذموم هو الذي يليه صاحبه عن الطاعات ويجعله يسوف في التوبة والإنابة.
وهو الذي جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابّا فِي اثنَتيْنِ: فِي حُبِّ الدُنْيَا، وَطولِ الأَمَلِ.
قال ابن حجر رحمه الله:
"وإنما المذموم منه -أي الأمل- الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته" "فتح الباري" لابن حجر (11/ 237).
وفي الأمل الممدوح، المشروع، ما كان: نوع غفلة أو تغافل: عن سرعة الأمر، وقرب الرحيل، وأن الأمر -كل الأمر-: أعجل من ذلك؛ ولا بد من شيء من هذه "المغالطة النافعة" ليتم عيش المرء، وتَعْمُر الأرض بساكنيها، وأفعالهم، ولا يكونوا كالمومياوات، أو الجمادات التي تركت عيشها، وسعيها الذي أمرت به، وكدحها الذي تكدحه في هذه الحياة.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة، فليغرسها رواه أحمد (12902)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (9)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
قال الطغرائي في "لاميته" البديعة:
أُعَلِّلُ النَّفْس بِالآمَالِ أَرْقبُهَا … مَا أَضْيَقَ العَيْشِ لَولَا فُسْحَةِ الأَمَلِ
والعاقل: من أخذ من دنياه لآخرته، ومن آخرته لدنياه؛ فلا يميل كل الميل، ويذر الأخرى بلا عمل، ولا سعي، وتأميل.
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: خِيَارُكُمْ مَنْ لَمْ يَرْفُضْ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ، وَلَا دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ. رواه المعافين بن زكريا في "الزهد" (157).
وقال الشاعر الأول – عبدة بن الطيب -:
نَرْجُو فَوَاضِلَ رَبٍّ سَيْبُهُ حَسَنٌ * وكلُّ خَيْرٍ لديهِ فهْوَ مقْبُولُ
رَبٌّ حَبَانا بِأَمْوالٍ مُخَوَّلَةٍ * وكلُّ شَيءٍ حَبَاهُ اللهُ تَخويلُ
والمرءُ ساعٍ لأَمرٍ ليس يُدْرِكهُ * والعَيْشُ: شُحٌّ، وإِشْفَاقٌ، وتأْمِيلُ!!
يقول ابن الجوزي، رحمه الله:
" «ولا بد من مغالطة تجري ليتم العيش، ولو عمل العامل بمقتضى قصر الأمل، ما كتب العلم ولا صنف.
فافهم هذا الفصل، مع الذي تقدمه [=يعني: من قصر الأمل، والزهد في الدنيا]؛ فإن الأول في مقام العزيمة، وهذا في مكان الرخصة.
ولا بد للتعب من راحة وإعانة، والله عز وجل [معك] على قدر صدق الطلب، وقوة اللجإ، وخلع الحول والقوة، وهو الموفق.» انتهى، من "صيد الخاطر" (ص255).
والله اعلم.