أولا:
يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى وقت الوداع، فيطوفه بنية الإفاضة، أو بينة الإفاضة والوداع، فإن طاف بنية الوداع فقط لم يجزئه عن الإفاضة، لأنه لم ينوه، ولم يصح وداعه؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد تمام النسك.
والأصل في ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
فعلى ذلك القول: يشترط أن يكون لطواف الإفاضة: نية خاصة به، ولا تكفيه النية الأولى عن "الحج"، ولا تنسحب هذه النية العامة على أعماله المختلفة.
قال البهوتي رحمه الله في "شرح منتهى الإرادات" (1/592): "(ومن أخر طواف الزيارة - ونصه: أو القدوم - فطافه عند الخروج أجزأه) عن طواف الوداع؛ لأن المأمور أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل، ولأنهما عبادتان من جنس، فأجزأت إحداهما عن الأخرى، كغسل الجنابة عن غسل الجمعة وعكسه.
وإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن الزيارة؛ لأنه لم ينوه وفي الحديث: وإنما لكل امرئ ما نوى " انتهى.
والذي يظهر- إن شاء الله- : صحة طوافك الذي طفته، ويجزئك من الإفاضة والوداع معا؛ بناء على أن أفعال الحج لا يشترط لها نية خاصة، وأنه يكفي لها نية الحج، فمن طاف، ولم يستحضر نية للطواف ولم يعيّنه، صح طوافه، كما بينا في جواب السؤال رقم: (227879).
وإذا قلنا: إن طواف العمرة ينوب عن طواف الإفاضة، فلأن ينوب عنه طواف الوداع مع نسيان نية الإفاضة، وقد كان نوى جمعهما في أول نسكه= أولى.
وقد نص المالكية على قريب من هذا، وهو نيابة طواف التطوع عن طواف الإفاضة الفاسد.
قال الدردير رحمه الله في "الشرح الكبير" (2/ 35) : (و) طواف (الإفاضة) إذا فسد فإنه يرجع إليه.
(إلا أن يتطوع بعده) بطواف صحيح؛ فيجزئه عن الفرض الفاسد، ولا يرجع له.
نعم؛ إن كان بمكة طولب بالإعادة كما قاله بعضهم، وظاهره وجوب الإعادة.
(ولا دم) إذا تطوع بعده، أي وكان غير ذاكر فساد الإفاضة؛ وإلا، لم يجزه، كما استظهره بعضهم" انتهى.
قال الدسوقي في حاشيته عليه: "(قوله: وكان غير ذاكر إلخ) الحاصل: أن ظاهر كلام المصنف أنه إذا تطوع بعد طواف الإفاضة الفاسد، بطواف صحيح: فإنه يجزئه، ولا دم عليه؛ سواء وقع منه التطوع ناسيا لفساد الإفاضة، أو متذكرا له. وعليه حمله ح.
واستظهر بعضهم حمله على النسيان، لقول الجزولي في باب " جمل من الفرائض ": لا خلاف فيما إذا طاف، ملاحظا أن ذلك الطواف للوداع، وهو ذاكر للإفاضة: فإنه لا يجزئه اهـ واعتمد بعضهم ذلك الاستظهار" انتهى.
والحاصل:
أنه، بناء على هذا القول: تصح إفاضتك، ولا يلزم شيء في الوداع، لأن خروجك من مكة كان بعد طواف صحيح.
ولا يلزمك تجديد النكاح؛ لأنه وقع بعد تحللك من الحج.
ثالثا:
من رمى وشك لو وقعت الحصاة في المرمى أم لا، لم يجزئه ذلك.
قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/ 235): " أقل ما عليه في الرمي أن يرمي حتى يوقع حصاه في موضع الحصى , وإن رمى بحصاة فغابت عنه فلم يدر أين وقعت : أعادها ، ولم تجز عنه حتى يعلم أنها قد وقعت في موضع الحصى " انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 500): " (ويشترط علمه بحصولها) أي: السبع حصيات (في المرمى) في جمرة العقبة، (وفي سائر الجمرات)؛ لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته فلا يزول عنه بالظن ولا بالشك فيه" انتهى.
وإذا وقع هذا في ثلاث حصيات فأكثر، لزمك دم لترك واجب الرمي.
وعليه؛ فيلزمك دم لترك الرمي، والدم هنا شاة توزع على فقراء مكة والحرم.
والله أعلم.