475

يرتدي الثياب الحسنة قاصدا إعجاب الناس بأناقته، فما الحكم؟

السؤال: 558953

ما حكم من يرتدي الثياب الحسنة مريدا بذلك إعجاب الناس به وبأناقته؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا حرج في لبس الإنسان الثياب الحسنة، ومحبته لذلك، وأن يعجب الناس بأناقته، بشرط ألا يتعاظم على غيره، وألا يحتقر من هو دونه، وأن يجتنب السرف، وينبغي أن يستحضر في لبسه شكر المنعم سبحانه، وإظهار أثر نعمته عليه.

والتعاظم هو العجب، واحتقار من دونه هو الكبر والخيلاء، وكل ذلك محرم.

وقد روى مسلم (91) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ).

وهذا يفيد جواز لبس الثياب الحسنة دون غمط الناس، أي احتقارهم.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:

"‌تحسين ‌الثوب الذي يلبسه الإنسان عند الخروج إلى الناس: مراءاةٌ، وهو ليس بحرام؛ لأنه ليس رياء بالعبادة، بل بالدنيا.

وقس على هذا كلَّ ما تجمل للناس، وتزين لهم" انتهى من "إحياء علوم الدين" (3/ 300).

والممنوع هنا أمور:

1-العجب بالثياب، والتعاظم بها؛ لما روى مسلم (2088) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).

والجمة: الشعر إذا نزل إلى المنكبين.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 261): "الْجُمّة": بضم الجيم، وتشديد الميم: هي مُجْتَمَع

الشعر، إذا تَدَلَّى من الرأس إلى المنكبين، وإلى أكثر من ذلك، وأما الذي لا يتجاوز الأذنين فهو الْوَفْرة. انتهى.

وقال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (5/ 406): "(البُردان): الرداء، والإزار، وهذا على طريقة تثنية العمرين، والقمرين. و (يتجلجل): يخسف به مع تحرك واضطراب، قاله الخليل وغيره.

ويفيد هذا الحديث: ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب، وأن عُجب المرء بنفسه، وثوبه، وهيئته، حرام وكبيرة" انتهى.

2-التبختر والخيلاء؛ لما روى البخاري (5783)، ومسلم (2085) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ).

والخيلاء والمخيلة محرمة ولو لم يكن جرٌ وإسبال.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (14/ 60): "قال العلماء: الخيلاء بالمد، والمخيلة، والبَطَرُ، والكبر، والزهو، والتبختر، كلها بمعنى واحد، وهو حرام، ويقال: خال الرجل خالًا، واختال اختيالًا: إذا تكبَّر، وهو رجل خالٍ؛ أي: متكبر، وصاحب خال؛ أي: صاحب كِبْر" انتهى.

والعجب والتعاظم بالثياب وغيرها قد يكون مع الكبر، وقد يكون بدونه.

قال القرطبي رحمه الله: "فالمتكبِّرُ يلَاحِظ ترفعَ نفسِهِ على غيره بسببِ مزيَّةِ كمالها فيما يراه، والمعظِّمُ يلَاحِظ كمالَ نفسه مِن غير ترفعٍ لها على غيره، وهذا التعظيمُ هو المعبَّرُ عنه بالعُجبِ في حقِّنا إذا انضَاف إليه نِسيانُ مِنَّةِ الله تعالى علينا فيما خصَّنا به مِن ذلك الكمال... وأمَّا مَن لاحظ مِن نفسه كمالاً، وكان ذاكرًا فيه مِنَّةَ الله تعالى عليه به، وأنَّ ذلك مِن تفضُّله تعالى ولطفه، فليس مِنَ الكِبرِ المذمومِ في شيء، ولا مِنَ التعاظُمِ المذموم، بل هو اعترافٌ بالنعمة، وشُكرٌ على المِنَّة". (1/ 277).

3-ألا يكون في ذلك إسراف؛ لما روى أحمد (6695)، والنسائي (2559) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ) وحسنه الألباني.

فتحصل من ذلك أن المذموم لبس الثياب مع العُجب أو الكبر أو السرف.

وقد لخص الحافظ ابن حجر رحمه الله المسألة فقال: "والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحَسن: إظهارَ نعمة الله عليه، مستحضرا لها، شاكرا عليها، غير محتقر لمن ليس له مثله، لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة؛ ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس".

وقوله: "وغمط" بفتح المعجمة وسكون الميم ثم مهملة: الاحتقار.

وأما ما أخرجه الطبري من حديث علي: "إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه فيدخل في قوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض) الآية،  فقد جمع الطبري بينه وبين حديث ابن مسعود بأن حديث علي محمول على من أحب ذلك ليتعظم به على صاحبه، لا من أحب ذلك ابتهاجا بنعمة الله عليه، فقد أخرج الترمذي وحسنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، وله شاهد عند أبي يعلى من حديث أبي سعيد. وأخرج النسائي وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له، ورآه رث الثياب: "إذا آتاك الله مالا فليُر أثره عليك" أي بأن يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة؛ ليعرفه المحتاجون للطلب منه، مع مراعاة القصد، وترك الإسراف؛ جمعا بين الأدلة" انتهى من "فتح الباري" (10/ 259).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (568736).

والحاصل:

جواز لبس الحسن ولو مع قصد أن يعجب الناس بأناقته، ما لم يكن ذلك عن تعاظم على غيره، أو احتقار له، أو كان مع سرف، وينبغي أن يستحضر شكر المنعم وإظهار أثر نعمته.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android