17

متى يبدأ وقت صيام الثلاثة أيام في الحج للمتمتع؟

السؤال: 558333

في أثناء تعلمي لأحكام ونسك الحج والعمرة، عرض لي إشكال حول وقت بداية صيام الأيام الثلاثة في حج التمتع لمن لم يجد الهدي أو لم يستطع شراءه، فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك اختلافا:
• فمنهم من قال: الأفضل أن تكون قبل يوم عرفة.
• ومنهم من قال: يجوز للحاج أن يصوم قبل يوم التروية، ولو لم يكن قد أحرم بالحج بعد.
• ومنهم من رأى أن الأفضل أن يبدأ الصيام عند إهلاله بالحج، حتى لو كان ذلك قبل اليوم السابع من ذي الحجة.
• ومنهم من قال: إن الإهلال بالحج قبل يوم التروية مخالف للسنة.
• ومنهم من أجاز صيام يوم عرفة أو أيام التشريق، بينما خالفه آخرون؛ لأن أيام التشريق هي أيام أكل وشرب، مع الإشارة إلى المشقة الكبيرة التي قد يواجهها الحاج في صيام هذه الأيام بسبب ارتفاع درجات الحرارة وكثرة المشي.
التساؤل:
كيف يمكن التوفيق بين هذه الأقوال؟ وهل يعتبر الإحرام بالحج قرانًا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأحوط لإصابة السنة الفعلية، وحتى يتجنب أوجه الخلاف، وبذلك للحاج متسع من الوقت للصيام قبل يوم التروية؟ وهل سيكون مخالفًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل من عمرتهم لمن لم يسق الهدي؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولًا :

أوجب الله تعالى على المتمتع إذا لم يجد الهدي، ولم يكن من حاضري المسجد الحرام: أن يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فقال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/196

والقارن مثل المتمع في ذلك,

واختلف الفقهاء في وقت جواز صيام الأيام الثلاثة، ووقت استحبابها.

فأما وقت الجواز فاختلفوا فيه على أقوال:

1-أنه يجوز بعد الإحرام بالعمرة، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.

2-أنه لا يجوز إلا بعد التحلل من العمرة، وهو رواية عن أحمد.

3-أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج، وهو مذهب المالكية والشافعية.

وقد ساق ابن قدامة رحمه الله أدلة هذه المسألة فقال في "المغني" (3/ 417):

" وأما وقت جواز صومها: فإذا أحرم بالعمرة. وهذا قول أبي حنيفة.

وعن أحمد: أنه إذا حل من العمرة.

وقال مالك، والشافعي: لا يجوز إلا بعد إحرام الحج. ويروى ذلك عن ابن عمر. وهو قول إسحاق، وابن المنذر؛ لقول الله تعالى: فصيام ثلاثة أيام في الحج [البقرة: 196]. ولأنه صيام واجب، فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه، كسائر الصيام الواجب. ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدَل، فلم يجز البدل، كقبل الإحرام بالعمرة.

وقال الثوري، والأوزاعي: يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة.

ولنا: أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع، فجاز الصوم بعده، كإحرام الحج.

فأما قوله: فصيام ثلاثة أيام في الحج [البقرة: 196]، فقيل: معناه في أشهر الحج، فإنه لا بد من إضمار؛ إذ كان الحج أفعالا لا يُصام فيها، إنما يصام في وقتها، أو في أشهرها. فهو كقول الله تعالى: الحج أشهر [البقرة: 197] .

وأما تقديمه على وقت الوجوب: فيجوز إذا وجد السبب، كتقديم الكفارة على الحنث ...

وأما كونه بدلا فلا يقدم على المبدل؛ فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على إحرام الحج، فكذلك الصوم.

وأما تقديم الصوم على إحرام العمرة، فغير جائز. ولا نعلم قائلا بجوازه، إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد، وليس بشيء؛ لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوبه، ويخالف قول أهل العلم؛ وأحمد يُنَزَّه عن هذا" انتهى.

وينظر: "كشاف القناع" (2/ 453)، "الموسوعة الفقهية" (14/ 13).

ومذهب الحنفية والحنابلة هو الراجح؛ لما روى مسلم (1218) من حديث جابر مرفوعا: (دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: ابتداء جواز صيامها، أي الثلاثة من حين أن يحرم بالعمرة.

فإن قال قائل: كيف يجوز أن يصومها من حين إحرامه بالعمرة، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: فِي الْحَجِّ؟

قلنا: يجوز لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: دخلت العمرة في الحج.

فعلى هذا يبتدئ صومها من حين أن يحرم بالعمرة، وآخر وقت الصيام: آخر يوم من أيام التشريق " انتهى من "الشرح الممتع" (7/ 178).

ثانيا:

أما وقت استحباب صيام هذه الأيام، فأن يصومها ما بين إحرامه بالحج، ويوم عرفة، ثم اختلفوا على قولين:

القول الأول: أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، واستحبوا أن يحرم بالحج قبل فجر السابع؛ لتقع الأيام كلها في الحج.

قال ابن قدامة الله في "المغني" (3/ 417): " فأما وقت الثلاثة، فوقت الاختيار لها: أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة. قال طاوس: يصوم ثلاثة أيام، آخرها يوم عرفة.

وروي ذلك عن عطاء، والشعبي، ومجاهد، والحسن، والنخعي، وسعيد بن جبير، وعلقمة، وعمرو بن دينار، وأصحاب الرأي.

وروى عن ابن عمر، وعائشة، أن يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عرفة. وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية. وهو قول الشافعي؛ لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب. وكذلك ذكر القاضي، في " المحرر ".

والمنصوص عن أحمد، الذي وقفنا عليه: مثلُ قول الخرقي؛ أنه يكون آخرها يوم عرفة، وهو قول من سمينا من العلماء.

وإنما أحببنا له صوم يوم عرفة هاهنا، لموضع الحاجة.

وعلى هذا القول: يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية؛ ليصومها في الحج، وإن صام منها شيئا قبل إحرامه بالحج جاز" انتهى.

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 453): "(والأفضل: أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة) نص عليه. (فيصومه) أي: يوم عرفة، هنا، استحبابا؛ (للحاجة) إلى صومه.

(ويقدم الإحرام بالحج قبل يوم التروية، فيكون اليوم السابع من) ذي (الحجة محرما) فيحرم قبل طلوع فجره (وهو أولها) ليصومها كلها وهو محرم بالحج ".

والقول الثاني: أن يكون آخرها يوم التروية، وهو مذهب الشافعية.

واستحبوا أن يحرم بالحج قبل سادس ذي الحجة.

قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 290): " ولكن (تستحب) له (قبل يوم عرفة) لأنه يسن للحاج فطره، فيحرم قبل سادس ذي الحجة ويصومه وتالييه" انتهى.

ثالثا:

تقديم الإحرام بالحج على يوم التروية، وصوم يوم عرفة أيضا: كلاهما فيه نظر كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

قال: " وفي هذا نظر من جهتين: من جهة تقديم الإحرام بالحج، ومن جهة كون آخرها يوم عرفة.

أما الأول: فإن تقديم إحرام الحج على اليوم الثامن خلاف هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، والذي يظهر من حال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين تمتعوا أنهم فقراء؛ لأنهم لم يسوقوا الهدي، وإلا لساقوا الهدي كما ساقه الأغنياء، وإذا كانوا فقراء ففرضهم الصيام، ونحن يغلب على ظننا أن الصحابة الذين حلوا، لم يحرموا إلا من اليوم الثامن، فكيف نقول أحرم في اليوم السابع؟ ثم إننا على هذا القول نقول: أحرم قبل فجر اليوم السابع، من أجل أن يكون الصيام شاملاً للثلاثة كلها، وهذا فيه نظر أيضاً.

وأما الثاني: وهو كون آخرها يوم عرفة، ففيه نظر أيضاً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة [رواه أحمد (2/ 304)؛ وأبو داود (2440)؛ وابن ماجه (1732) وهو ضعيف، كما في "التلخيص الحبير" (929)].

وأُتِيَ بقدح لبن فشربه أمام الناس وهو واقف بعرفة [متفق عليه] ليعلموا أنه مفطر.

والصوم في عرفة يوجب أن يكون الإنسان في آخر النهار، الذي هو أفضل اليوم خاملاً كسلان متعباً، فلا يكون عنده نشاط للدعاء الذي أفضل ما يكون في آخر بالنهار، فإذا صام ضيع مقصوداً عظيماً في يوم عرفة، وهو النشاط للدعاء في آخر اليوم.

فالصواب خلاف ما عليه الأصحاب في هذه المسألة من الوجهين...

والذي يظهر لي من حديث ابن عمر، وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ: أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يصومونها في أيام التشريق، لقول عائشة وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي [رواه البخاري]، فظاهر هذا النص أن الصحابة كانوا يصومونها في أيام التشريق، وصومها في أيام التشريق صومٌ لها في أيام الحج؛ لأن أيام التشريق أيام للحج، ففيها رمي الجمرات في الحادي عشر والثاني عشر وكذلك الثالث عشر، فلو ذهب ذاهب إلى أن الأفضل أن تصام الأيام الثلاثة في أيام التشريق، لكان أقرب إلى الصواب.

وهل يشترط أن تكون متتابعة؟

الجواب: إن ابتدأها في أول يوم من أيام التشريق، لزم أن تكون متتابعة؛ ضرورة أنه لا يصومها في أيام الحج إلا متتابعة، لأنه لم يبق من أيام الحج إلا ثلاثة، ولا يجوز أن تؤخر عن أيام التشريق.

أما إذا صامها قبل أيام التشريق، فيجوز أن يصومها متفرقة ومتتابعة، وذلك بناء على القاعدة العامة الأصولية الحديثية وهي أن الواجب إطلاق ما أطلقه الله ورسوله، وتقييد ما قيده الله ورسوله، فالله ـ عزّ وجل ـ أطلق ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196]، ولم يقيدها بكونها متتابعة، وإذا لم يقيدها الله، فإن تقييدها تضييق على عباد الله في شريعة الله، وإذا كان ليس لنا الحق أن نطلق ما قيده الله، فليس لنا الحق ـ أيضاً ـ أن نقيد ما أطلقه الله، بل تقييد ما أطلقه الله، أشد من إطلاق ما قيده الله؛ لأن تقييد ما أطلقه الله مخالف لمقاصد الدين الإسلامي، وهو التيسير والتسهيل، فإن المطلق أسهل من المقيد.

وعلى هذا فنقول: يجوز أن يصوم الأيام الثلاثة متتابعة ومتفرقة، ما لم يكن تتابعها من ضرورة صومها في الحج، وذلك إذا صامها في أيام التشريق، فهنا لا بد أن تكون متتابعة" انتهى من "الشرح الممتع" (7/ 177-180).

والحاصل:

أن الأرجح في وقت استحبابها: أن تكون في أيام التشريق؛ لتكون في الحج، أو أن تكون بعد الإحرام بالعمرة، وألا يصوم منها عرفة، وألا يقدم الإحرام بالحج عن يوم التروية.

أما صيامها في أيام التشريق: فرخصة ثابتة كما تقدم من حديث عائشة وابن عمر، فهو مستثنى من كون الأيام أيام أكل وشرب.

فإن كان يشق عليه الصوم في منى، فليصمها بعد إحرامه بالعمرة.

رابعاً:

إذا أحرم قارنا ولم يسق الهدي، استُحب له فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعا، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وحينئذ فينطبق عليه ما تقدم في حق المتمتع: هل يقدم الحج قبل التروية، وهل يصوم منها عرفة ؟

وفي مسألة الفسخ خلاف، وقد ذهب الإمام أحمد إلى استحبابه.

قال ابن قدامة في المقنع: " ومن كان قارنا أو مفردا: أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى، ويجعلها عمرة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك؛ إلا أن يكون قد ساق معه هديا، فيكون على إحرامه" انتهى.

قال في "المبدع" (11/ 117): " لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة، إلا من كان معه هدي متفق عليه.

وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل شيء منك حسن جميل إلا خلة واحدة. فقال: وما هي؟ قال: تقول يفسخ الحج. قال: كنت أرى أن لك عقلا! عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا كلها في فسخ الحج، أتركها لقولك؟!" انتهى.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android