115

اختلف مع شريكه ويرفض التحاكم لطرف ثالث، فماذا يفعل؟

السؤال: 553993

بدأت أنا وشخص ما على عمل، ولكن اختلفت أنا وهو، ولي باقي مستحقات عنده وقدم كل منا حلا للقضية، ولكن أنا لم أقبل بحكمه، وهو لم يقبل بحكمي، وطالبته بتحكيم رجل نتفق عليه، ويرضى كلانا بحكمه، ولكنه يرفض ذلك، ويقول: إما أن تقبل بحكمي أو لا، فما حكم رفضه؟ وهل سيسأل عن مستحقاتي أمام الله مادام يرفض التحكيم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

الواجب عند الاختلاف والتنازع: رد الأمر إلى الله ورسوله، وذلك بالرجوع إلى أهل العلم ليفتوا في المسألة، أو إلى قضاة الشرع، إن وجدوا في بلدكم، لينظروا في القضية، ويحكموا بالحق لصاحبه، أو إلى محكّم عالم بالشرع يرتضيه المتنازعان.

قال الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء/59-61.

إلى أن قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 345): "وقوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله.

وهذا أمر من الله، عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [الشورى:10]؛ فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر أي: ردوا الخصومات والجهالات.

فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر.

وقوله: ذلك خير أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرجوع في فصل النزاع إليهما: خير وأحسن تأويلا أي: وأحسن عاقبة ومآلا" انتهى.

ثانيا:

من دعي إلى حكم الشرع عند التنازع وجب عليه الامتثال، وقد ذم الله تعالى من يعرض عن ذلك فقال: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/47-50.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (12/ 294): "هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم؛ لأن الله سبحانه ذم من دعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم، فقال: (أفي قلوبهم مرض) الآية. قال ابن خويز منداد: واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يحيب، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو عداوة بين المدعي والمدعى عليه" انتهى.

وقال الجصاص في أحكام القرآن (5/ 189): " بَابُ لُزُومِ الْإِجَابَةِ لِمَنْ دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غيره حقا ودعاه إلَى الْحَاكِمِ، فَعَلَيْهِ إجَابَتُهُ وَالْمَصِيرُ مَعَهُ إلَيْهِ؛ لأن قوله تعالى: (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ) مَعْنَاهُ إلَى حُكْمِ اللَّهِ" انتهى.

ثالثا:

لو تحاكم الخصمان إلى عالم بالشرع جاز وإن لم يكن قاضيا.

قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/ 308): "وإن تحاكم شخصان إلى رجل للقضاء (بينهما، فحكم: نفذ حكمه، في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان، وغيرها؛ حتى مع وجود قاض، فهو كحاكم الإمام).

لما روى أبو شريح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له إن الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ قال: إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي الفريقان . قال : فما أحسن هذا، فمن أكبر ولدك؟ قال: شريح قال: فأنت أبو شريح أخرجه النسائي.

وعنه - صلى الله عليه وسلم - من حكم بين اثنين، تحاكما إليه وارتضيا به، فلم يعدل بينهما بالحق: فعليه لعنة الله رواه أبو بكر. ولولا أن حكمه يلزمهما، لما لحقه هذا الذم.

ولأن عمر وأُبيًّا تحاكما إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهما قاضيا...

(ولكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم)؛ لأنه لا يلزم حكمه إلا برضا الخصمين، أشبه رجوع الموكل عن التوكيل قبل التصرف فيما وكل فيه.

و(لا) يصح رجوع أحدهما (بعده)؛ أي بعد شروعه في الحكم، (وقبل تمامه)، كرجوع الموكل بعد صدور ما وكل فيه من وكيله" انتهى.

وينظر في شأن التحكيم: جواب السؤال رقم: (238135).

وقد علم مما تقدم أنه لا يجوز لأحد المتنازعين أن يلزم خصمه بحكمه؛ وهذا من المعلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم؛ أنه لا يكون شخص واحد، في أمر واحد: خصما، وحكما!!

وعليه؛ فإن لم يرض صاحبك بالتحكيم، فالسبيل أمامك هو الاستفتاء لتعلم صواب ما تدعيه من خطئه، لكن قد يحتاج المفتي لسماع الطرفين، وليس للمفتي سلطة إلزام، فسبيلك لإلزامه بالحق هو التقاضي.

وإذا لم يوجد قضاء شرعي، وعلمت أن الحق لك، جاز التحاكم إلى القضاء الوضعي لأخذ حقك فقط.

وينظر: جواب السؤال رقم: (92650)، ورقم: (221850).

والنصيحة أن تختار من أهل الدين والعقل: من ينصح صاحبك بقبول التحاكم إلى محكَّم، فهذا خير لك وله من التقاضي إلى القوانين الوضعية ، وخير لكما من استمرار الخصومة .

رابعا:

إذا ماطل صاحبك في إعطائك حقك وهو يعلم، كان آثما ظالما، وكذا لو دعي إلى التحكيم وأبى فهو آثم، ولو حكم له القاضي أو المحكم بغير حقه فأخذه، كان آثما ظالما؛ فحكم الحاكم لا يحل الحرام؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android