حفظ
  • قائمة جديدة
المزيد
    حفظ
    • قائمة جديدة
82008/ذو القعدة/1446 الموافق 06/مايو/2025

هل يجوز الجمع بين الصلاتين عند توقع نزول المطر؟

السؤال: 552113

قرأت عدة إجابات عن الجمع وقت المطر، لكن سؤالي هو إذا كانت الأجواء في ذلك اليوم بشكل عام ممطرة، يعني تمطر لفترة، ثم تتوقف، ثم تمطر في نفس اليوم، ثم تتوقف، فهل يجوز الجمع في مثل هذا؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

يشرع الجمع لأجل المطر بين المغرب والعشاء عند جماهير أهل العلم، وبين الظهر والعصر عند الشافعية، وهو اختيار جمع من المحققين من أهل العلم منهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

جاء في "المدونة" (1/ 204):

"قال ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن هلال حدثه أن ابن قسيط حدثه: أن جمع الصلاتين بالمدينة، في ليلة المطر، المغرب والعشاء: سنة. وأنْ قد ‌صلاها ‌أبو ‌بكر ‌وعمر ‌وعثمان، ‌على ‌ذلك. وجمعهما: أن العشاء تقرب إلى المغرب، حين يصلى المغرب. وكذلك أيضا يصلون بالمدينة.

قال ابن وهب، عن عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد وربيعة وأبي الأسود مثله، قال سحنون: وإن النبي - عليه الصلاة والسلام - جمعهما جميعا" انتهى.

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية "(15/ 289): "ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة: إلى جواز الجمع بين المغرب والعشاء، بسبب المطر المبلل للثياب، والثلج والبرد؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا". زاد مسلم: "من غير خوف ولا سفر". انتهى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وذكر -البيهقي- ما رواه أبو الشيخ الأصبهاني بالإسناد الثابت عن هشام بن عروة: أنّ أبا عروة وسعيد بن المسيب وأبا بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، إذا جمعوا بين الصلاتين، ولا ينكر ذلك.

وبإسناده عن موسى بن عقبة: أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة، إذا كان المطر.

وأن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان: كانوا يصلون معهم، ولا ينكرون ذلك.

فهذه ‌الآثار ‌تدل ‌على ‌أن ‌الجمع ‌للمطر: ‌من ‌الأمر ‌القديم ‌المعمول به بالمدينة، زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك؛ فعُلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/ 83).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وعلم من قوله: "بين العشاءين": أنه لا يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأسباب. وهو المذهب.

والراجح: أنه جائز لهذه الأسباب وغيرها، بين الظهرين، والعشاءين، عند وجود المشقة بترك الجمع، كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنه" انتهى من "الشرح الممتع" (4/392).

وقد وسبق بيان ذلك مفصلاً في إجابة سابقة، فيحسن الرجوع إليها: (293906).

ثانياً:

اشترط الجمهور لجواز الجمع لأجل المطر أن يكون المطر نازلاً حقيقة، مطرا يبل الثياب، وأنه لا يُشرع حالَ توقفه.

قال النووي رحمه الله:

"‌ولا ‌يجوز ‌الجمع ‌الا ‌في ‌مطر ‌يبل ‌الثياب. ‌وأما ‌المطر الذي لا يبل الثياب، فلا يجوز الجمع لأجله؛ لأنه لا يتأذى به" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 378).

قال ابن قدامة رحمه الله:

"والمطر المبيح للجمع: هو ما يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه.

وأما الطل، والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب: فلا يبيح، والثلج كالمطر في ذلك، لأنه في معناه، وكذلك البرد" انتهى من "المغني" (3/ 133).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"‌إذا ‌كان ‌هناك ‌مطر ‌يبل ‌الثياب، ‌لكثرته ‌وغزارته، فإنه يجوز الجمع بين العشاءين، فإن كان مطرا قليلا لا يبل الثياب، فإن الجمع لا يجوز، لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح؛ فإنها تزداد المشقة.

فإن قيل: ما ضابط البلل؟

فالجواب: هو الذي إذا عٌصر الثوب، تقاطر منه الماء" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/ 391).

ثالثاً:

أما الجمع في حال توقع المطر، لوجود قرائن: فلا يجوز عند جمهور أهل العلم؛ لما سبق من اشتراطهم أن يكون المطر نازلاً ويبل الثياب، لأنه الذي تحصل به المشقة، والذي ورد به النص، وأما في حال توقعه فلا مشقة تجلب رخصة الجمع.

قال الشافعي رحمه الله:

"ولا يجمع إلا والمطر مقيم في الوقت الذي تجمع فيه.

فإن صلى إحداهما، ثم ‌انقطع ‌المطر: ‌لم ‌يكن ‌له ‌أن ‌يجمع ‌الأخرى ‌إليها.

وإذا صلى إحداهما، والسماء تمطر، ثم ابتدأ الأخرى والسماء تمطر، ثم انقطع المطر: مضى على صلاته؛ لأنه إذا كان له الدخول فيها، كان له إتمامها" انتهى من "الأم" (1/ 95).

قال ابن قدامة رحمه الله:

"ومتى جمع في وقت الأولى، اعتُبر وجود العذر المبيح حال افتتاح الأولى، والفراغ منها، وافتتاح الثانية، فمتى زال العذر في ‌أحد ‌هذه ‌الثلاثة، ‌لم ‌يُبَحِ ‌الجمع. ‌

وإن ‌زال ‌المطر في أثناء الأولى، ثم عاد قبل الفراغ منها، أو انقطع بعد الإحرام بالثانية: جاز الجمع، ولم يؤثر انقطاعه؛ لأن العذر وجد في وقت النية، وهو عند الإحرام بالأولى، وفى وقت الجمع، وهو آخر الأولى وأول الثانية، فلم يضر عدمه في غير ذلك" انتهى من "المغني" (3/ 139).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في معرض حديثه عن الجمع لأجل المطر:

"وهنا سؤالان:

 الأول: إذا كانت السماء غائمة ولم يكن مطر ولا وحل، ولكن المطر متوقع فهل يجوز الجمع؟

 الجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال لأن المتوقع غير واقع، وكم من حال يتوقع الناس فيها المطر، لكثافة السحاب، ثم يتفرق ولا يمطر.

 الثاني: إذا كان مطرٌ، ولكن شككنا هل هو مطر يبيح الجمع أو لا؟

 والجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال، لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها؛ فلا يعدل عن الأصل إلا بيقين العذر" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/ 393).

رابعاً:

إذا كان المطر متوقعاً حال الصلاة الأولى، ثم نزل في أثنائها، أو بعد السلام منها جاز جمع الثانية إليها، على الصحيح من أقوال أهل العلم، ولا يشترط لصحة الجمع ابتداء النية من الأولى.

قال النووي رحمه الله:

"وقال المزني وبعض الأصحاب: لا تشترط -نية الجمع-لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، ‌ولم ‌ينقل ‌أنه ‌نوى ‌الجمع، ولا أمر بنيته، وكان يجمع معه من تخفى عليه هذه النية، فلو وجبت، لبينها" انتهى من "المجموع" (4/ 374).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"‌والنبي ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌لما ‌كان ‌يصلي ‌بأصحابه، ‌جمعا ‌وقصرا، ‌لم ‌يكن ‌يأمر ‌أحدا ‌منهم ‌بنية ‌الجمع والقصر؛ بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين، من غير جمع، ثم صلى بهم الظهر بعرفة، ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر، ولم يكونوا نووا الجمع. وهذا جمع تقديم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/ 50).

وقال رحمه الله:

"وتنازَع العلماءُ في الجمع والقصر؛ هل يفتقر إلى نيَّة؟ فقال جمهورهم: لا يفتقر إلى نيَّة، وهذا مذهبُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأحد القولين في مذهب أحمد، وعليه تدلُّ نصوصُه وأصولُه" "الفتاوى الكبرى" (2/31).

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله:

"جمع التقديم؛ فإنَّ الراجح من حيثُ النظرُ: أنَّه لا يُشترَط له نيَّة، بخلاف ما رجَّحه كثير من الشافعية، وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام، وقال: الجمع ليس بعمل، وإنما العمل الصلاة، ويقوِّي ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمَعَ في غزوة تبوك، ولم يذكُر ذلك للمأمومين الذين معه، ولو كان شرطَا لأَعْلَمهم به" انتهى من "فتح الباري" (1/18).

 وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"متى وجد العذر عند افتتاح الثانية جاز الجمع، فلو صلى المغرب وليس عنده نية الجمع، أو صلى المغرب، وليس هناك مطر، وبعد سلامه من المغرب أمطرت السماء، فنوى الجمع = فلا بأس بذلك، وقد عمل بهذا شيخنا رحمه الله عبدالرحمن بن سعدي؛ حيث صلى ذات يوم صلاة المغرب، ولما خرج الناس رجعوا إليه، وقالوا: إنها تمطر مطرًا شديدًا، فأمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى العشاء، مع أنه لم ينوِ الجمع عند افتتاح الأولى، ولم يوجد العذر أيضًا.

فالحاصل: أن الصحيح، أنه متى وجد العذر المبيح للجمع، في وقت لا يحصل به التفريق، فإنه يجوز أن يجمع... فإذا وجد العذر بعد السلام من الأولى، بمدة قصيرة لا يحصل بها التفريق: فلا شك في جواز الجمع" انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة" (2/ 151 بترقيم الشاملة).

خامساً:

ذهب بعض أهل العلم، وهو قول المالكية إلى جواز الجمع بين الصلاتين عند توقع المطر بوجود قرائن قوية. وأقاموا القرينة القوية مقام الوقوع. لكنهم قالوا: إنه إذا لم ينزل المطر في وقت الأولى، أعادوا الثانية في وقتها.

قال الزرقاني رحمه الله:

"رخص ندبًا في جمع العشاءين فقط، لكل مسجد... لمطر يحمل أواسط الناس على تغطية رؤوسهم، واقعٍ أو متوقع، بقرينة غَبَر أو سحاب" انتهى من "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (2/ 87).

وقال النفراوي رحمه الله:

«في الجمع بين المغرب والعشاء، ليلة ‌المطر الغزير الذي يحمل الناس على تغطية رءوسهم، بحيث يشق معه الوصول إلى المنازل.

ولا فرق بين الواقع أو ‌المتوقع بقرائن الأحوال...

فلو جمعوا لأجل ‌المطر ‌المتوقع، ولم يحصل؛ فينبغي الإعادة لصلاة العشاء في الوقت" انتهى "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1/ 231).

وقد سبق بيان مذهب الجمهور: أن الواقع، ليس كالمتوقع، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل؛ لأن توقع المطر، ليس مطرا، ولأن الأصل أن تصلى كل صلاة في وقتها؛ إلا إذا تحقق العذر الشرعي المبيح للجمع.

لكن: إن وقع ذلك في بلاد يعملون بالمذهب المالكي، أو كان من عمل ذلك ممن تحصل له بنظر واجتهاد يصح من مثله، أو بتقليد سائغ له، فعمل بذلك، فإنه لا ينكر عليه.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

خيارات تنسيق النص

خط النص

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android