0 / 0
1,07716/شوال/1446 الموافق 14/أبريل/2025

هل المعاصي تحرم الإنسان من توفيق الله وحفظه؟

السؤال: 551431

إذا أسرف الإنسان على نفسه في المعاصي أو كان مقلاً منها، هل هذا يبعد عن العبد توفيق الله تعالى وحفظ الله سبحانه وتعالى؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

المعاصي بشكل عام قد تترك آثاراً خطيرة على صاحبها في حياته الدنيا وفي آخرته، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ  الشورى/30.

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/138): "ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا وبما شهد به في كتابه: أن المعاصي سبب المصائب" انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" (ص: 32): "قلّة التَّوْفِيق وَفَسَاد الرَّأْي وخفاء الْحق وَفَسَاد الْقلب وخمول الذّكر وإضاعة الْوَقْت ونفرة الْخلق والوحشة بَين العَبْد وَبَين ربّه وَمنع إِجَابَة الدُّعَاء وقسوة الْقلب ومحق الْبركَة فِي الرزق والعمر وحرمان الْعلم ولباس الذل وإهانة الْعَدو وضيق الصَّدْر والابتلاء بقرناء السوء الَّذين يفسدون الْقلب ويضيعون الْوَقْت وَطول الْهم وَالْغَم وضنك الْمَعيشَة وكسف البال تتولّد من الْمعْصِيَة والغفلة عَن ذكر الله كَمَا يتولّد الزَّرْع عَن المَاء والإحراق عَن النَّار وأضداد هَذِه تتولّد عَن الطَّاعَة " انتهى.

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

وفي الأثر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهَناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".

وعن الفضيل بن عياض أنه قال: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلُق حماري وخادمي". "حلية الأولياء" (8/109).

وكما أن المعصية من سبب خذلان العبد، وقلة توفيقه، فالطاعة من أعظم أسباب البركة، وحفظ الله لعبده، وصيانته له.

وقد روى مسلم في "صحيحه" (657) عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْقَسْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُْوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

ومن هنا؛ فلا يبعد أن يحرم الإنسان التوفيق بسبب هذه المعاصي، فيجب المبادرة إلى التوبة النصوح. انظر: فتوى: (23425).

ثانياً :

كلما ازداد عصيان العبد لربه، ازداد بُعده عنه. والمعاصي سبب لعدم التوفيق أو ضعفه، وليست شرطاً ملازماً، فقد يمهل الله عبده، ويمنحه فرصة للتوبة والإنابة.

ثالثاً:

التوفيق الحقيقي هو أن يمكَّن المرء من أداء الواجبات وترك المحرمات عند المقدرة. وفي الحديث : (مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ غَوَى) رواه مسلم (870).

أما أمور الدنيا فالتوفيق فيها أمر نسبيٌّ؛ فقد يصلح لهذا ما لا يصلح لهذا، وقد تُفتح الدنيا على شخص فيزداد شكراً وثباتاً على دينه، وقد تُفتح على آخر فتكون سبباً لنسيانه ما أمر الله به.

وقد يحرم الله بعض من يحبهم من ملذات الدنيا ليختبر صبرهم ويزيد من درجاتهم. وقد يُحرم المؤمن من بعض ما يتمناه في الحياة الدنيا، لأن الله يعلم أن هذا الحرمان هو في مصلحته وخيره. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عبداً حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يظلُّ أحدكم يحمي سقيمه الماء رواه الترمذي (2036)، وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ...  رواه أحمد(3490) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2714).

قال الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة/ 216. "الصحيحة" (144).

فالابتلاء والشدّة التي قد يقاسي منها العبد في حياته: لا يلزم منها أن تكون من عدم التوفيق أو عدم حفظ الله تعالى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال:أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليُبتلى بالفقر، حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يجوبها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء . رواه ابن ماجه (4024)، وابن سعد (2 /208)، والحاكم (4/307)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2714).

ومن حكمة الله في ابتلاء الصالحين، أن يقربهم الله عز وجل إليه ويرفع منزلتهم، وينقيهم من الذنوب، وليمنحهم الله تعالى من الصفات والأخلاق في الدنيا ما لا يجده غيرهم.

انظر: فتوى رقم: (35914).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في "مجموع رسائله" (3/ 108): "ومن أنواع حفظ الله لعبده في دينه: أن العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدُّنْيَا، إما الولايات أو التجارات أو غير ذلك، فيحول الله بينه وبين ما أراده لما يعلم له من الخيرة في ذلك وهو لا يشعر مع كراهته لذلك.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن العبد ليهمّ بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسَّرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل". انتهى.

وهذا الأثر عن بن مسعود رضي الله عنه رواه الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص: 55)، وأبو داود في "الزهد" (191)، وأبو نعيم في "زوائده على الزهد" (129)، وابن أبي الدنيا في "الرضا" (57). وقال الذهبي في "العلو" (ص: 80): "أخرجه اللالكائي بِإِسْنَاد قوي" انتهى.

رابعا:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح الأربعين" (ص: 204):

1.    "من فوائد قوله صلى الله عليه وسلم "احفَظ الله يَحفَظكَ": أن من حفظ الله حفظه الله .

2.    أن من أضاع الله - أي أضاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه، قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر: 19).

3.    أن من حفظ الله عزّ وجل هداه ودله على ما فيه الخير، وأن من لازِم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر" انتهى.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
هل المعاصي تحرم الإنسان من توفيق الله وحفظه؟ - الإسلام سؤال وجواب